للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (وقال الذين في النار لخزنة جهنم وما دعاء الكافرين إلا في ضلال)]

ثم قال سبحانه: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنْ الْعَذَابِ} [غافر:٤٩]، أي: جميع من في النار، فهم يستغيثون بخازن النار: {لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ} [غافر:٤٩]، وجهنم اسم فظيع معناه: النار العميقة القعر، ويقال في الدنيا عن البئر: إنها ركية، أي: بئر عظيمة القعر، بعيدة الغور، وكذلك نار جهنم والعياذ بالله، فهي نار عظيمة متقدة مشتعلة بعيدة القعر جداً والعياذ بالله، والكفار في أقصى قعر جهنم والعياذ بالله.

قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا} [غافر:٤٩]، أي: حتى يخفف عنا {يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ} [غافر:٤٩]، مع أنهم في النار خالدين فيها أبداً، فماذا سيغني عنهم هذا اليوم؟! ولكن شدة العذاب تجعلهم يطلبون الراحة منه ولو للحظة معينة، ولو ليوم واحد يقولون لخزنة جهنم: {ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ} [غافر:٤٩]، وهذا يدل على شدة العذاب الذي يلاقونه، فقد يئسوا من رحمة الله، وهم مع ذلك لا يستطيعون الهرب، ومع ذلك فعليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.

ثم يقول الخزنة لهؤلاء: {قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} [غافر:٥٠]، أي: ألم تأتكم رسل منكم تبلغكم، وتبذل النصح لكم، وتأمركم وتنهاكم؟ فأنتم تستحقون هذا الذي وقع بكم، ثم يقولون لهم: {قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} [غافر:٥٠]، أي: إن كان الدعاء ينفعكم فادعوا، لكنك إذا دعوت الله في الدنيا، ورفعت يديك إليه استحيا الله أن يردهما خائبتين، فالله يستحيي من عبده أن يرفع إليه يديه فيردهما صفراً، فالله كريم سبحانه وتعالى، فهو إما أن يعطيك جواب ما سألته، وإما أن يصرف عنك من الأذى بقدره، وإما أن يدخره لك ليوم القيامة، أما في النار فادعوا بما شئتم فلن يستجاب لكم، قال تعالى: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} [غافر:٥٠]، أي: في تيه، وفي ذهاب، وفي باطل، لا قيمة له، ولا يستجاب لدعائهم، نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>