[تفسير قوله تعالى:(إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز)]
قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ}[فصلت:٤١] فالذين يلحدون في آيات الله عز وجل وهم الكفار عبر الله عز وجل عنهم بأنهم يلحدون في آيات الله ويعرضون عنها ويميلون عنها، ويدعون غيرهم إلى عدم سماع ما يأتي به النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك يكفرون بهذا القرآن، فيكذبون ما فيه من ذكر الله سبحانه وتعالى، وأنه مستحق للعبادة وحده، فقالوا:{أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا}[ص:٥] فكذبوا وقالوا: {نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}[الجاثية:٢٤] الذكر هنا بمعنى: القرآن، أي: إن الذين كفروا بهذا القرآن العظيم لما جاءهم من النبي صلى الله عليه وسلم.
((وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ)) أي: كتاب الله العظيم العزيز، العزيز: الغالب الذي لا يغالب مهما أرادوا أن يأتوا بمثله ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، فقد غلبهم القرآن وقهرهم، ولما أرادوا أن يلحدوا فيه وأن يحرفوا الكلم عن مواضعه حفظه الله سبحانه وتعالى وقال:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر:٩]، ولما أرادوا أن يدخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم ويلبسوا عليه إذا بالله يعصمه ويحفظه، فالقرآن غالب مهما أرادوا أن يجادلوا بالباطل، قهرهم كتاب الله سبحانه وامتنع عليهم أن يدخلوا فيه شيئاً من باطلهم وإنه لكتاب عزيز، وكم أراد هؤلاء الكفار من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن تقوم الساعة أن يلحدوا في آيات الله سبحانه وأن يحرفوا وأن يبدلوه، ولا تزال طائفة من أمة النبي صلى الله عليه وسلم على الحق ظاهرين ينصرهم الله سبحانه وتعالى بهذا القرآن العظيم لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم، وقد أراد المشركون تبديل كلام الله سبحانه، فالقرآن عزيز ممتنع ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وفي كل عصر من العصور يوجد من يريد أن يلقي شيئاً في هذا القرآن العظيم ويرده الله سبحانه مدحوراً، حتى في زماننا أراد هؤلاء الكفرة الملاعين أن يلغوا آيات من كتاب الله، وأمروا المسلمين في بلادهم ومنافقيهم بإلغاء آيات الجهاد، وأنهم سينزلون مصحفاً جديداً مكان هذا المصحف ليس فيه هذه الآيات، فما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، بل قهرهم الله وأذلهم وأرانا فيهم الآيات.
نسأل الله عز وجل أن يخرب عليهم بيوتهم وديارهم كما خربوا ديار المسلمين، وأن يلعنهم الله وأن يأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.