ومن صفات المؤمنين:{وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}[المؤمنون:٨].
فهم مؤدون للأمانة وراعون لها، أي: أنهم محافظون على الأمانة أقصى درجات المحافظة، وقد علمنا ديننا ذلك وكرر علينا هذا الأمر، قال سبحانه وتعالى في كتابه:{وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}[المعارج:٣٢] أي: يرعى أمانته فيحافظ عليها أشد من محافظته على ماله؛ لأنها أمانة، وقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم وقد سأله رجل:(متى الساعة؟ قال: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: وما تضييع الأمانة؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله)، فمتى أصبح الناس ينظرون إلى من سيكون والياً عليهم، لا من جهة دينه، ولكن ينظرون إلى صفات ليست من الدين كقولهم عن بعض الناس: ما ألطفه! ما أقواه! ما أظرفه! فيجعلونه قدوة لهم لأجل ذلك، فلينتظروا الساعة.
أما المؤمنون فيعرفون أمانة الله عز وجل، فإذا أرادوا من إنسان أن يكون كبيرهم نظروا إلى دينه وإلى تقواه وإلى حنكته وخبرته في هذا الأمر الذي سيجعلونه فيه، لكن إذا وسد الأمر إلى غير أهله بالمجاملات وبالأحساب ففي هذه الحالة انتظر الساعة.
وقوله تعالى:{لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}[المؤمنون:٨] بالجمع وهذه قراءة الجمهور، وقراءة ابن كثير:(والذين هم لأمانتهم وعهده راعون).
والأمانة من جنس الأمان، قال الله عز وجل في كتابه:{إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ}[الأحزاب:٧٢].
والأمانة أمانة في التكليف، والتكاليف الشرعية عرضها الله سبحانه وتعالى على السموات وعلى الأرض وعلى الجبال فأبين أن يحملنها، لماذا؟ لأنهن عرفن أنهن سيكلفن بشيء بعده إما جنة وإما نار وما يدريهم أنهم سيدخلون الجنة وسينجون من النار؟! فعرضت على الإنسان فحملها الإنسان، ومن أوصاف الإنسان أنه متهور وأنه سريع القدوم إلى الشيء الذي قد يهلكه، {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}[الأحزاب:٧٢]، فحمل الإنسان هذه الأمانة، وأخذ على عاتقه أن يطيع الله عز وجل، فمنهم من أطاع الله ومنهم من عصاه سبحانه وتعالى.
فالمؤمنون لأماناتهم وعهدهم راعون، أي: أنه إذا أعطى إنساناً يميناً أو عقداً أو عهداً على شيء فإنه يراعي عهده ولا يخون أبداً ولا يغدر ولا يضيع مواثيقه، بل هو مؤتمن على هذا كله، قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}[المؤمنون:٨]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك).
(أد الأمانة) أي: إذا ائتمنك إنسان على أمانة فأدها إليه كما أعطاها لك.
ولو أنه خانك مرة من المرات في شيء فلا تخنه، ولا تقل: مثلما خانني أخونه، وكم من الناس يفعلون ذلك! فتجد كثيراً من الناس من متدينين وغيرهم سرعان ما يخون الأمانة ثم يقول: هو فعل بي كذا في يوم كذا، وينسى ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، وينسى أن النبي الأمين صلوات الله وسلامه عليه كان الكفار يؤذونه ويؤذون أصحابه، وكانت أمانات الكفار عنده في مكة صلى الله عليه وسلم، فلما أراد الهجرة أخذ يجهز أماناتهم لردها إليهم وهم يعدون لقتله، وأمر أم أيمن بأداء وإرجاع الأمانات إلى أهلها، فهو منشغل بأماناتهم وهم منشغلون بسفك دمه صلوات الله وسلامه عليه، وينجيه الله عز وجل ويخرج من بين أظهرهم ويتوجه إلى المدينة مهاجراً صلوات الله وسلامه عليه، وقد أمن أن الأمانة سترد إلى أهلها عن طريق أم أيمن وعن طريق علي بن أبي طالب رضي الله تبارك وتعالى عنهما.