تفسير قوله تعالى: (والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر)
ومن صفاتهم أيضاً أنهم: {لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان:٦٨]، فمن أكبر الكبائر، أن يشرك الإنسان بالله سبحانه ويقتل ويزني.
ولذلك جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله! أي ذنب أكبر عند الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أن تدعو لله نداً وهو خلقك)، فأعظم ذنب يقع فيه العبد أن يشرك بالله، وأن يجعل لله الند والنظير والشبيه والمثيل، فكيف يخلقك وتعبد غيره سبحانه؟ فهذا أعظم ذنب، قال: (قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك)، مثل ما كان أهل الجاهلية يقتلون بناتهم خشية الإنفاق عليهن.
فالله عز وجل ذكر ذلك وذكر من صفات عباد الرحمن أنهم لا يفعلون ذلك أبداً، فلا يئدون بنتاً، ولا يقتلون إنساناً غريباً، ولا إنساناً آخر.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قال ثم أي؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قال: قلت: ثم أي؟ قال: أن تزني بحليلة جارك).
فمن أعظم الذنوب الزنا فهو حرام، والإنسان حين يزني بزوجة جاره فهذا أفظع ما يكون، والمفترض أن الإنسان مؤتمن على جاره، سواء كان هذا الجار مسلماً أو كان كافراً، فهناك ائتمان بين الجار وجاره، والجار أقرب الناس إلى جاره يعينه في وقت حاجته إليه، في مرض أو في جنازة أو في حاجة، فالجار يسرع إليه قبل أقربائه.
فلذلك الجار له حقوق عظيمة، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)، يعني: ظن النبي صلى الله عليه وسلم من كثرة وصية جبريل له بالجار أن الله سينزل في آيات المواريث أن الجار من ضمن الورثة، ظن ذلك صلوات الله وسلامه عليه من كثرة الوصية به، فهنا يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن من أعظم الفواحش والذنوب أن الإنسان يزني بحليلة جاره، والزنا مع أي امرأة كبيرة من الكبائر ويستحق صاحبها أن يقام عليه الحد في الدنيا، ويستحق عقوبة الله في الآخرة.
ولكن إذا كان الزنا بحليلة الجار فهو أفظع وأشد والعقوبة فيه أشد، ففي الآية أخبر الله عز وجل عن هؤلاء المؤمنين أنهم لا يدعون مع الله إلهاً آخر، ولا يشركون بالله صنماً ولا وثناً، ولا يشركون حجراً ولا شجراً ولا إنساناً ولا جاناً ولا ملكاً ولا غير ذلك، بل يدعون ربهم وحده لا شريك له.
وقوله تعالى: {َلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الفرقان:٦٨]، وهنا استثنى، فقتل النفس قد يكون بباطل وقد يقتل بحق؛ ولذلك استثنى الله سبحانه القتل بالحق، جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام)، وأخبر في الحديث: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة)، فهذه ثلاثة أشياء لا يحل دم المرء المسلم إلا بها.
فالإنسان يقتل نفساً بغير حق، فيستحق أن يقام عليه القصاص، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (النفس بالنفس)، قال: (الثيب الزاني)، أي: الإنسان المتزوج الذي يقع في الزنا يستحق الرجم، والثالث: (التارك لدينه المفارق للجماعة)، فالإنسان الذي ارتد بعد إسلامه إذا لم يتب ويرجع إلى الإسلام فهذا يستحق القتل.
هؤلاء الثلاثة يستحقون ذلك، فالاستثناء عائد على هؤلاء، فعباد الرحمن لا يقتلون نفساً بغير حق إلا أن يكون جهاداً في سبيل الله سبحانه أو قصاصاً أو إقامة حدود الله سبحانه.
قوله تعالى: {وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان:٦٨]، أي: لا يقعون في الزنا، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن أمر الزنا وأنه كبيرة من الكبائر، وذكر لنا الحد الذي يكون في الزنا، فالله سبحانه يخبر عن هؤلاء أنهم لا يقعون في الكبائر، وقد وعد الله عز وجل المؤمنين الذين لا يقعون في الكبائر بمغفرة الذنوب ودخول الجنة، والكبائر كثيرة منها: الشرك بالله، السحر، قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، أكل الربا، أكل مال اليتيم، التولي يوم الزحف، قذف المحصنات الغافلات المؤمنات، عقوق الوالدين، السرقة، التولي بعد الإسلام، وارتداد أعرابي بعد الهجرة، الرشوة، أكل السحت.
فهذه كبائر إن اجتنبها الإنسان المؤمن حتى يموت، فالله عز وجل يغفر له صغائر ذنوبه، لذلك جاء في القرآن قول الله سبحانه: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء:٣١]، فجعل الله اجتناب الكبائر مكفراً لصغائر الذنوب وهذا من رحمة رب العالمين سبحانه.
وجعل للعباد مكفرات يكفر بها ذنوبهم، ومن هذه المكفرات أن الإنسان يصلي الصلوات المكتوبة، الصلاة إلى الصلاة، ورمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة، والحج كلها مكفرات تكفر ذنوب العبد.
فالإنسان إذا أذنب ذنباً توضأ فأحسن الوضوء وصلى ركعتين، واستغفر الله من هذا الذنب غفر الله له هذا الذنب، وجعل من المكفرات للذنوب اجتناب الكبائر، قال تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء:٣١]، أي: صغائر ذنوبكم، {وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء:٣١]، فعباد الرحمن يجتنبون الكبائر فاستحقوا المغفرة، ويصلون ويفعلون الطاعات فاستحقوا الدرجات.