للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (ولا تكونوا من المشركين)]

احذروا من الشرك بالله كما قال: {وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الروم:٣١] أي: لا توجهوا العمل لغير الله رياءً أو سمعةً، أو عبادة أنداد مع لله سبحانه وتعالى، فلا يكون هناك شرك أكبر أو أصغر أو خفي، ولكن توجهوا لله سبحانه وتعالى ولا تشركوا به شيئاً، قال: {وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} [الروم:٣١ - ٣٢] أي: لا تكونوا من المشركين الموصوفين بهذه الصفة، فكأن من المسلمين من يقلدون المشركين في ذلك، فالله سبحانه وتعالى يحذرنا من أن نكون كالمشركين في شركهم، وكذلك من أن نكون مثلهم في بدعهم وفي تفرقهم شيعاً.

وفيها قراءتان: {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ} وهذه قراءة الجمهور، وقراءة حمزة والكسائي: ((من الذين فارقوا دينهم))، وهذا كاليهود والنصارى، فإن الدين جاءهم من عند رب العالمين، فعرفوه ثم بدلوه وحرفوه، ففارقوا بذلك دين رب العالمين سبحانه، فاحذروا أن تبدلوا وأن تحرفوا دينكم فتكونوا كهؤلاء المشركين.

أما الصورة الأخرى: فهي أنهم انقسموا وافترقوا في دينهم على ملل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هم؟ قال: من كانوا على مثل ما أنا عليه وأصحابي).

إذاً: فقد افترقت اليهود والنصارى، وافترق المسلمون كذلك إلى فرق أكثر من اليهود والنصارى إلى ثلاث وسبعين فرقة، والفرقة الوحيدة الناجية: هي التي تتمسك بكتاب الله عز وجل وبسنة النبي صلوات الله وسلامه عليه، ولا تفرق دينها.

والفرقة الناجية هم: أهل السنة والجماعة، الذين اعتصموا بحبل الله سبحانه، واقتدوا برسول الله صلوات الله وسلامه عليه، فلا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم، فابتدعوا فيه، وجعلوا هؤلاء فرقة، وهؤلاء فرقة، وهؤلاء فرقة، فحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك، وأخبرنا أنه كائن وسيكون ذلك، كما قال الله تعالى: {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} [الروم:٣٢] أي: فرقاً.

قال: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم:٣٢]، والمصيبة أن الإنسان إذا بعد عن دين الله سبحانه فعصى الله سبحانه وهو يعرف أنه عصى، فلعله يتوب يوماً من الأيام؛ لأنه يعرف أنه في معصية، لكن المبتدع يظن أنه على خير وطاعة، ويظن أنه أتى بما لم يأت به أحد قبله، فيكون سعيداً فرحاً بما هو عليه، فمن البعد بمكان أن يرجع أو يتوب إلى الله، وكيف يتوب وهو يظن أنه متقرب إلى الله عز وجل بذلك؟! قال: {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم:٣٢]، فيأخذون بما عندهم، ولا شأن لهم بالذي عندك ولو كان حقاً.

وكم من أهل البدع على ذلك، فإذا قلت لإنسان من أهل البدع: تعال لنتناقش معك في الكتاب والسنة، قال لك: وأي سنة هذه التي ترجع فيها لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم؟ فأنتم مخترعون لهذه الأحاديث، حتى إن بعض هؤلاء الحمقى والمغفلين عندما تقول له: هذا الحديث في صحيح البخاري، يقول: أنتم الذين ألفتم البخاري! هذا من جهله وحماقته، فلم يطلع هو على البخاري ولا على غيره، ولكنه سعيد بما هو عليه من الباطل والبعد عن دين الله تعالى، فإذا قلت له بالحجة رفضها، ورفض الرجوع إلى كتاب الله، قال الله عز وجل: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم:٣٢]، فإذا فرح الإنسان بما عليه من البدع صار من البعيد جداً أن يراجع نفسه، أو أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، إلا من رحم الله.

<<  <  ج:
ص:  >  >>