[المشاورة في الأمر]
ومن صفاتهم قوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى:٣٨] فالمؤمنون يشاور بعضهم بعضاً في أمورهم، ولا يستبد أحدهم بالأمر دون غيره، والشورى تكون في أهل الرأي، فلا يستشار الحمقى والمغفلون، وأهل الاستهتار والفسوق، وإنما الشورى تكون لأهل الدين والتقوى، ولأهل الخبرة والحنكة، ولأهل الفن الذي يسأل صاحبه فيه.
فالذي يجيد القتال والجهاد في سبيل الله عز وجل يستشار في أمور الجهاد والقتال في سبيل الله، والذي يعرف بيع الناس وشراءهم وما يقومون به من معاملات، فيحتاجون لأن يسعر عليهم الحاكم، أو يضع عنهم أشياء من أرباحهم، أو غير ذلك، فيستشير أهل المعرفة والتخصص في هذا الشيء.
وأهل الاقتصاد الذين يفهمون أحوال المسلمين، وأحوال سوق المال الذي عند المسلمين يستشارون في ذلك، أما حدود الله سبحانه وتعالى فيتكلم عنها العلماء والفقهاء وأهل الحديث؛ لأنهم أصحاب المعرفة في دين الله عز وجل، أما أن يترك أهل العلم، وأهل الفقه، وأهل الدين، ويستشار أهل الفسق، وأهل الرقص والغناء، فهذا بمنأى عن التعقل.
فلو أن إنساناً جاء وجمع مجموعة من الناس لا يفهمون شيئاً في أمر البيع والشراء وقال لهم: أنا أريد أن أعمل تجارة فبماذا تشيرون علي؟ لقيل له: بم يشيرون عليك فيها؟ فهم لا يعرفون كيف يشيرون عليك، وإذا أشاروا عليه أخطئوا فيها؛ لأنها ليست مهنتهم، وليست عملهم، ولقيل له: إذا أردت أن تفتح محلاً وتتاجر في شيء فاسأل أهل الصنعة في هذا الشيء.
وإذا أردت أن تبني عمارة من العمارات فاسأل المهندس والمقاول اللذين يفهمان في ذلك.
فالشورى تكون لمن يفهم ويجيد وعنده تخصص في ذلك، بحيث يكون أميناً في دينه، خبيراً في هذا الشيء، فقد يكون الإنسان أميناً ولكن لا خبرة له بهذا الشيء، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يستشير أصحابه أهل مشورته كـ أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ولقد كانا كالوزيرين للنبي صلى الله عليه وسلم يستشيرهما في أموره صلى الله عليه وسلم.
فكان كلما حدث شيء جمع له المسلمين الذين يفهمون في ذلك وأخذ بآرائهم صلوات الله وسلامه عليه، ففي يوم الخندق استشار النبي صلوات الله وسلامه عليه المسلمين ماذا يصنعون مع الكفار إذا قدموا؟ فأشار عليه سلمان رضي الله تعالى عنه بحفر خندق بينهم وبين الكفار؛ لأن عدد الكفار القادمون عليهم عدد ضخم جداً، والأمر أصعب من أن يخرجوا لقتالهم، فيفعل النبي صلى الله عليه وسلم ما قال سلمان.
وكان النبي بنفسه عليه الصلاة والسلام يحفر معهم الخندق، وينشد مع من ينشد من المسلمين قائلاً: اللهم لا خير إلا خير الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة.
فالغرض أن الاستشارة تكون لأهل العلم في الأمر الذي يستشارون فيه، فلا يجوز أن يستشير الحاكم في أحكام الله ودينه سبحانه إنساناً لا خبرة له في ذلك، أو يستشير إنساناً فاسقاً في دينه، بعيداً كل البعد عن كتاب الله وعن سنة النبي صلى الله عليه وسلم.