فقال الرجل لموسى عليه الصلاة والسلام:{إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ}[القصص:٢٧].
وهذا تفكير صائب من هذا الرجل الفاضل الصالح، إذ طلب من موسى أن يشتغل عنده في هذا المكان، فإنَّ موسى غريب، وهذا الرجل لا يوجد لديه أبناء، وهو ضرير، فموسى قد ينفرد مع بناته في مكان، صحيح أن موسى أمين، وأن موسى قوي، ولكن ما الذي يضمن كيف تكون الظروف عندما ينفرد مع بناته، لذلك طلب منه هذا الطلب.
فهو لما وجده قوياً وأميناً وصالحاً، فأفضل شيء أن يتزوج واحدة من بناته ويمكث معها في هذا المكان، ثمان سنوات أو عشر سنوات، أي: فإذا كنت هارباً من فرعون، فإن مأواك هنا.
فكان الرجل في غاية التفكير الجيد، وفي غاية التفكير الصائب حين يطلب منه تزوج إحدى ابنتيه، فقد قال هذا الشيخ لموسى عليه الصلاة والسلام:{إِنِّي أُرِيدُ}[القصص:٢٧]، ولم يأمره بذلك، ولم يقل له: تزوج، بل قال: أنا أرغب في ذلك.
قوله:{إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ}[القصص:٢٧]، ولفظة النكاح هنا للتزويج، فإذا زوج إنسان إنساناً فلا بد من لفظة النكاح أو لفظة التزويج على خلاف بين العلماء في ذلك.
ولكن قد نص عليها الله سبحانه، فقال:{إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ}[القصص:٢٧]، وليس في ذلك إيجاب للنكاح؛ لأن النكاح هنا على الإبهام، فالمعنى: اختر واحدة من الاثنتين وأنا أزوجك التي اخترتها.
وقرأ الجمهور:{إِنِّي أُرِيدُ}[القصص:٢٧]، وقرأ نافع وأبي جعفر:(إِنِّيَ أريد أن أنكحك) أي: أزوجك فعلاً وهذا ظاهر في قوله: أنكح.
وقوله تعالى:{إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ}[القصص:٢٧] هذه قراءة الجمهور، وقرأها ابن كثير:(إحدى ابنتي هاتيّنِّ).
وقوله تعالى:{عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ}[القصص:٢٧] فيه دلالة على الإجارة، فيكون مهر الفتاة الإجارة، بأن يكون أجيراً عند أبيها {ثَمَانِيَ حِجَجٍ}[القصص:٢٧] أي: ثمان سنوات، قال:{فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ}[القصص:٢٧] أي: تفضلاً منك لو زدتهن إلى عشر سنوات.