للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تفسير قوله تعالى: (فاليوم لا تظلم نفس شيئاً)

((فَالْيَوْمَ)) يوم القيامة {لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} [يس:٥٤]، {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف:٤٩]، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:٤٦] سبحانه تبارك وتعالى، لا يظلم أدنى الظلم، ولو ظلم واحداً ظلماً يسيراً، وظلم الآخر ظلماً يسيراً لتجمعت المظالم.

ويقول سبحانه: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ} [فصلت:٤٦] بصيغة المبالغة، أي: ليس ظلاماً، فربنا لا يظلم أحداً.

يقول الله تعالى: {فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [يس:٥٤].

((لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا)) الشيء هنا نكرة في سياق نفي، وهو يفيد العموم ((لا تُظْلَمُ)) أي شيء من الأشياء قل أو كثر، {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} [الزلزلة:٧ - ٨]، الشر اليسير سيراه يوم القيامة وسيرى جزاءه، والخير القليل سيراه يوم القيامة ويرى ثوابه، {فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [يس:٥٤]، لن يقول العبد: يا رب! أنت قدرت علي هذا الشيء.

{وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [يس:٥٤]، هل ظلمناك؟ هل ظلمك كتبتي؟ والعبد يقول: لا يا رب لم يظلمني أحد، أنا الذي عملت هذه الأشياء جميعها، فيعترف العبد ويقر على نفسه في وقت لا ينفعه إقراره بين يدي الله عز وجل، هذا الكافر يقر على نفسه، وذاك المنافق ينفي ويقول: يا رب! لا أقبل اليوم شاهداً علي إلا من نفسي، فإذا بالله عز وجل يختم على فمه، وتتكلم أعضاؤه فتشهد عليه، فيدعو على نفسه: ألا سحقاً لكن وبعداً فعنكن كنت أجادل؟ كان يجادل ويناضل ويدافع عن نفسه، فإذا بأعضائه تشهد عليه يوم القيامة، {فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [يس:٥٤].

نفخ في الصور نفخة الموت، فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله.

وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق حين لا يقال على الأرض: الله الله) يرجع كل الناس إلى الكفر فلا أحد يقول: الله الله، ولا يعرف أحد ربه فتقوم الساعة على هؤلاء.

وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين يوماً أو أربعين شهراً أو أربعين عاماً)، هذا قول الراوي وهو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تبارك وتعالى عنه، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه يمكث فيكم أربعين يوماً، يوم من أيامه كشهر، ويوم كسنة، وباقي أيامه كهذه الأيام، ثم يبعث الله سبحانه عيسى بن مريم كأنه عروة بن مسعود فيطلبه فيهلكه).

يخرج الدجال في الأرض ويزعم أنه إله، والله عز وجل يفتن خلقه به، فإذا به يمر على قوم فيدعوهم إليه أن يعبدوه فيرفضون، فإذا بأرضهم تصير مجدبة لا مطر ينزل، ولا نبات يخرج، وهم المؤمنون بالله، ابتلاهم الله سبحانه ليرى هل يثبتون أم أنهم يكفرون ويتبعون هذا الدجال؟ هذا الدجال أكثر الذين يتبعونه من اليهود لعنة الله عليهم والمنافقين وغيرهم، فهؤلاء يمر عليهم فيقول: ألا تؤمنون؟ فيؤمنون به، ويستجيبون له، فإذا بالله عز وجل يفتح لهم من الخيرات ليبتليهم ويظلوا على ما هم فيه من الكفر، فيأخذهم الله سبحانه على ذلك.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فيبعث الله عيسى بن مريم كأنه عروة بن مسعود فيطلبه فيهلكه) فينزل المسيح على نبينا وعليه الصلاة والسلام في دمشق عند باب لد وينزل ويطلب المسيح الدجال ويقتله في قصة طويلة في حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(ثم يمكث) يعني: المسيح عيسى بن مريم على نبينا وعليه الصلاة والسلام (في الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة).

صار الناس في خير بعد نزول المسيح على نبينا وعليه الصلاة والسلام، (يكسر الصليب، ويضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام)، يقول: (ثم يرسل الله ريحاً باردة من قبل الشام)، إذا نزل المسيح عيسى فقتل المسيح الدجال، ومكث في الناس سبع سنين على تقوى وطاعة وليس فيهم معصية.

(ثم يرسل الله ريحاً باردة من قبل الشام، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته)، سبع سنوات والناس على خير، وفي عبادة الله سبحانه، ولما مضت هذه السنوات السبع بدأ يخرج الشر في الناس، فيرسل الله عز وجل ريحاً باردة من قبل الشام فتأخذ جميع الأبرار الأتقياء، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته، (حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلت عليه حتى تقبضه)، فيقضي الله عز وجل بأن يموت كل من هو مؤمن على الأرض.

قال: (فيبقى شرار الناس) يعني: لا يبقى على الأرض إلا شرار الناس، (في خفة الطير وأحلام السباع) تقول: هذا إنسان خفيف يعني: متعجل متهور شرير مندفع، هذا الإنسان الذي هو في خفة الطير أول ما يجد شيئاً يندفع إليه.

(وأحلام السباع) السبع الذي يبحث عن فريسة يغتصبها ويأكلها، كذلك هؤلاء همهم القتل والقطع والغصب، فهم في أحلام السباع وفي خفة الطير.

(لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً، فيتمثل لهم الشيطان، فيقول: ألا تستجيبون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان، وهم في ذلك دار رزقهم حسن)، هذا من الفتنة، ليس معنى أن الإنسان أعطاه الله المال لأن الله يحبه، فالله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولكن لا يعطي الآخرة إلا من يحب، فهؤلاء في أحلام السباع وفي خفة الطير في طيش، ومع ذلك يعطيهم الله سبحانه أرزاقهم، يأتي الشيطان إليهم فيأمرهم أن يعبدوا الأوثان من دون الله فيعبدونها من دون الله سبحانه، وهم مع ذلك دار عليهم رزقهم حسن عيشهم.

(ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتاً ورفع ليتاً) نفخ في الصور، جاءت القيامة، وأمر الله سبحانه إسرافيل أن ينفخ نفخة الموت حتى يموت من على الأرض، هؤلاء الأشرار الذين على الأرض لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً، وهم فيما سمعنا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: قد عبدوا الأوثان من دون الله سبحانه، فيأتي عليهم النفخ في الصور فإذا بهم حالاً يخمدون.

يقول صلى الله عليه وسلم: (فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتاً)، الليت: صفحة العنق، وأصغى بمعنى: أمال، يعني: سمع صوتاً وهو يميل رأسه وعنقه يتسمع إلى الصوت ويجيء عليه الموت فيموت وهو على هذه الحال.

قال صلى الله عليه وسلم: (وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله)، ذكرنا من قبل الإنسان الذي يلوط أو َيليط أو يُليط حوض الإبل، بمعنى: يصلح حوض الإبل بالحجارة، لكي تشرب منه الإبل.

قال: (فيصعق ويصعق الناس) يعني: يجهز الحوض لكي تشرب الإبل فلا تدرك الإبل أن تشرب منه.

قال: (ثم يرسل الله -أو قال- ينزل الله مطراً كأنه الطل -أو الظل- فتنبت منه أجساد الناس) مطر شديد ينزل من السماء فينبت الله عز وجل هذه الأجساد الميتة.

(ثم ينفخ فيه أخرى) هذه النفخة الثانية، وهما نفختان كما قال الله عز وجل: {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:٦٨]، قاموا من قبورهم ينظرون حولهم ما الذي يراد بهم؟ إلى أين يذهبون؟ هل أتى ربنا أم لم يأت سبحانه؟ (ثم يقال: يا أيها الناس! هلموا إلى ربكم {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات:٢٤]).

(هلموا) احضروا إلى ربكم، ((وَقِفُوهُمْ)) أيها الملائكة! قفوا هؤلاء بين يدي الله عز وجل ((إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ)).

(ثم يقال: أخرجوا بعث النار) وهذا يقوله الله عز وجل لآدم، يناديه يوم القيامة: (يا آدم! أخرج بعث النار، يقول: وما بعث النار؟ يقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين) يعني: أخرج من كل ألف من الموجودين في المحشر تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار، وواحد فقط الذي يكون إلى الجنة، نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فذاك يوم يجعل الولدان شيباً، وذلك يوم يكشف عن ساق).

هذا اليوم يوم يجعل الله سبحانه وتعالى الولدان فيه شيباً، تشيب فيه رءوس الولدان من شدة ما يرون في هذا الموقف بين يدي الله عز وجل، عندما نذهب لنرى نتيجة الامتحان، ويقال: نصف المدرسة راسبون يفزع الناس من الذي سينجح إذا كان النصف راسباً؟ ما بالك بتسعمائة وتسعة وتسعين في النار، الناجح واحد وتسعمائة وتسعة وتسعون يدخلون النار والعياذ بالله، هؤلاء بعث النار.

<<  <  ج:
ص:  >  >>