قال الله:{وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ}[محمد:٦]، هذه آية عظيمة جميلة، فالله تعالى يدخل العباد الجنة، (عرفها لهم) أي: وهم في الدنيا، أخبرهم بأن في الجنة كذا وكذا، وإذا كان الله قد عرفك بهذه الجنة فاطلبها، ولتطلبها بعملك ودعائك، فقد عرفك الله عز وجل الجنة، فاطلبها بالعمل وبالنية الحسنة وبالقول السديد، قال:{عَرَّفَهَا لَهُمْ}[محمد:٦]، فإذا دخلوا الجنة عرفها لهم، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري عن أبي سعيد قوله:(يخلص المؤمنون من النار، فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقضى لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا) أي: أن هؤلاء يخلصون من المرور على الصراط، فمنهم من يجري سريعاً، ومنهم من يمر كطرف العين، ومنهم من يمر كالبرق الخاطف، ومنهم من يمر كالريح المرسلة، أو كأجاويد الخيل، أو كالذي يسعى من الرجال، وكل بحسبه، قال:(فمنهم من يتأخر في ذلك، ومنهم من يمر سريعاً، فإذا خلصوا من هذه يحبسون على قنطرة بين الجنة وبين النار)، فيحبسون في مظالم كانت بينهم في الدنيا، ولا يعني أنك إذا خلصت من النار أنك قد تحللت منها، بل تبقى عليك مظالم فيقتص منك، فيأخذ المظلوم من حسناتك، حتى إذا هذبوا ونقوا قبل دخول الجنة أمروا بدخول الجنة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(أذن لهم بدخول الجنة، فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله في الدنيا)، وانظر إلى قول الله:{عَرَّفَهَا لَهُمْ}[محمد:٦]، فليسوا بمحتاجين إلى دليل يدلهم على الجنة؛ فهم أعرف بمكانهم في الجنة، ولكن الدليل معهم يكون كنوع من التشريف، مثلما يجيء الإنسان الكبير في القوم وقومه أمامه وخلفه وهو يعرف طريقه ويعرف بيته، ولكنهم يوسعون له الطريق، وكذلك الملائكة، فإنها تستقبل هؤلاء وتذهب بهم إلى ديارهم في الجنة تشريفاً لهم، وإلا فقد عرفوا منازلهم، كما أنك تصلي الجمعة، وتخرج من صلاة الجمعة وأنت تعرف بيتك، مع أنك في وسط زحمة الناس، فكذلك أهل الجنة يعرفون بيوتهم، والملائكة توصله إلى هذا المكان الذي هو يعرفه أشد معرفة، وأكثر من معرفته بداره في الدنيا.
قال:(فوالذي نفس محمد بيده، لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله في الدنيا)، فقد بينها الله لعباده، وقد عرفها عباده في الدنيا بما فيها من ملاذ، وما فيها مما يشتهيه المؤمن، وعرفها لهم يوم القيامة فدخلوا إلى ديارهم غير محتاجين لمن يدلهم عليها.