[تفسير قوله تعالى: (فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود)]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
أما بعد: قال الله عز وجل في سورة فصلت: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ * إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} [فصلت:١٣ - ١٦].
يخبر الله سبحانه تبارك وتعالى في هذه الآيات عن قدرته العظيمة على تعذيب من كفر بالله، وجحد بآيات الله، وكذب رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين, وقبل هذه الآيات ذكر لنا قدرته العظيمة في الخلق والرزق والإبداع سبحانه تبارك وتعالى، فقد خلق السماوات والأرض، وبث في الأرض الدواب، وبارك فيها وقدر فيها أقواتها وجعل فيها الرواسي، وكان هذا الخلق في ستة أيام، فأرنا الله عز وجل قدرته على الإيجاد، وعلى الخلق، وعلى رزق عباده، وأنه رب العالمين سبحانه، وأخبرنا أن الذي يقدر ذلك هو الله العزيز الغالب، الذي قال للسماوات والأرض: {اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت:١١].
فهو العزيز الغالب، الذي لا يمانع سبحانه تبارك وتعالى، إذا قضى شيئاً فلابد أن يكون، وهو العليم سبحانه الذي يعلم كل شيء مما ظهر وما خفي، ويعلم ما في قلوب العباد ونياتهم، وما لم يعملوه ولم ينووه، وقد علم الله عز وجل ما هم فاعلون.
وهنا يقول لنا: إن أعرض هؤلاء الكفار عن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه ينذرهم بصاعقة وبعذاب شديد من عنده عز وجل، وكأن الصاعقة هي: الصيحة التي يكون من ورائها رجفة عظيمة تهد الناس، وتهزهم في أماكنهم فيغشى عليهم فيموتون بسببها.
قال تعالى: {فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت:١٣] أي: خوفتكم الهلاك كما أهلكنا عاداً وثمود.
قال تعالى: {إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ} [فصلت:١٤] أي: جاءتهم الرسل أمامهم، فأرسل الله عز وجل إلى عاد أخاهم هوداً.
وقوله تعالى: {مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ} [فصلت:١٤] أي: من قبل هؤلاء أرسل إلى قوم نوح نبيهم نوحاً عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فكانت الرسل من قبلهم وقد علموا ذلك، ومن ورائهم أرسل الرسل، فكأنه يقول: بلغهم نبأ ما كان قبلهم، أي: أخبار قوم نوح من قبل، وجاءهم رسول إليهم.
ولما أهلك الله عاداً جاءت ثمود بعد ذلك، وجاءهم خبر من كان قبلهم، أي: قوم نوح وقوم عاد، وكيف أهلكهم الله، ثم جاءهم رسولهم صالح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام يدعوهم إلى الله، وكل قوم يهلكهم الله يحذرهم ما صنع بالذين من قبلهم.
قال سبحانه: {إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ} [فصلت:١٤]، وما بين اليدين هو ما يراه الإنسان، وما خلفه ما لا يراه، فكأن المقصود بمن خلفهم أي: قبلهم من الرسل الذين سمعوا عنهم ولم يروهم، وأما الذين من بين أيديهم فكأنهم من يرونهم من رسل الله سبحانه.
فسمعوا أخبار الرسل السابقين، وعرفوا أنهم دعوا إلى الله، وإلى توحيده سبحانه، فكذبوا فأهلك الله عز وجل قومهم.
وكذلك هؤلاء جاءتهم العظة والعبرة على لسان رسلهم، فإن الرسول الذي يرسله الله عز وجل إلى قومه يخبرهم بأنباء من كانوا قبلهم، فكأن السابقين أنذروا قومهم، وتركوا النذارة لمن بعدهم أيضاً.
قال تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً} [فصلت:١٣] أي: يأتيكم عذاب يصعقكم على أي شكل من الأشكال، فقد تأتي صاعقة من السماء، وقد تأتي ريح شديدة فيها صرصر، أي: ذات صوت عاصف شديد تهد الناس وتميتهم ويغشى عليهم بسببها، أو يكون عذاب من نار من السماء يحرقهم، كما في هذه الآيات.
قال تعالى: {فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت:١٣]، فعاد: أخذتهم الصيحة، وثمود: أخذتهم الرجفة من عند الله سبحانه تبارك وتعالى.
وكلهم كذبوا واستكبروا على رسل الله.
فأما عاد فقالوا باستكبارهم: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت:١٥]، فأراهم الله عز وجل بهذا العذاب هل هم أقوى أم هذه الصاعقة التي أرسلها الله سبحانه تبارك وتعالى عليهم؟