[تفسير قوله تعالى: (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب)]
يوم القيامة قال سبحانه وتعالى مخبراً عنه: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء:١٠٤].
فقوله تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ} [الأنبياء:١٠٤]، مثل قوله تعالى: {وَالسماوات مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:٦٧]، سبحانه وتعالى.
فتخيل هذه السماوات التي خلقها الله تبارك وتعالى ولم نر منها إلا الشيء اليسير من هذه النجوم والكواكب، والأجرام المواجهة للأرض، فكم يكون حجمها؟! إن حجمها عظيم لا يتخيل، وجميعها يطويها الله تبارك وتعالى، فيطوي السماوات كلها بيمينه.
وقوله تعالى: {كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} [الأنبياء:١٠٤]، فالسجل هو جلدة الكتاب وما بداخلها، فهو الكتاب نفسه، فكأنه يقول: الصفحات نطويها، ويغلق الكتاب على ما فيه.
فيطويها كلها ويقفلها على بعضها، ويضم بعضها إلى بعض سبحانه وتعالى، قال تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} [الأنبياء:١٠٤]، وهذه قراءة الجمهور.
وقرأ أبو جعفر: ((يوم تطوى السماء كطي السجل للكتاب)).
وأما قراءة: {لِلْكُتُبِ} [الأنبياء:١٠٤]، فهي قراءة حفص عن عاصم، وحمزة والكسائي وخلف، وأما باقي القراء فقرءوا: ((للكتاب)).
والمعنى: أنك كما تطوي الكتاب وتغلقه، فيضم بعضها إلى بعض، وهذا الكلام الذي يقوله علماء الفلك اليوم، فهم يقولون: إن الكون كله كان شيئاً واحداً، ثم انفجر انفجاراً عظيماً، فلا يزال يتباعد، ويوسع الله عز وجل السماوات والأجرام، ويبعد بعضها عن بعض إلى درجة معينة، هذا هو كلام علماء الفلك، ولا يهمنا كلامهم بشيء، إلا أنه قد قاله الله عز وجل من قبل.
فقد أخبر سبحانه أنه خلق السماوات والأرضين، وأنه سيجمعهم مرة ثانية، هؤلاء علماء الفلك الكفار يقولون: إن السماوات والأرض سيرجعن وينضم بعضهن إلى بعض، وقد أخبر سبحانه وتعالى بهذه الحقيقة وأنه سيوسع هذا الكون كما قال سبحانه: {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:٤٧]، فهو يوسع الكون لدرجة معينة حسب كلام علماء الفلك، وسيصل إلى أن سرعة الاتساع تقل وتقل، حتى يصبح الكون هو القوة الطاردة المركزية التي تبتعد لبعيد، وتصبح قوة الشد بين الكواكب مع بعضها متساوية، ثم لابد في النهاية من أن تزيد واحدة على الأخرى، وهنا يبتدئ الاقتراب حتى تنكمش كلها في الأرض، وهنا تطوى السماوات والأرضون، وكل شيء يطوى مرة أخرى.
لا يهمنا نحن المسلمين ما وصلوا إليه، ولكن الذي يهمنا أن هذا الكلام قد قاله الله عز وجل قبل أن يعرفوا شيئاً من ذلك، فقد أخبر الله عز وجل أنه يعيد الخلق مرة ثانية، كما قال تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ} [إبراهيم:٤٨]، لقد طوى الجميع، وبدل السموات والأرضين بما يشاء سبحانه وتعالى، وهذه كقوله تعالى في هذه الآية: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ} [الأنبياء:١٠٤]، أي: بدأنا الخلق الأول، وسنعيده مرة ثانية، فنعيد السموات، ونعيد الأرض غير هذه الأرض، فتكون الجنات، ويكون ما لا نراه الآن، فيظهره الله عز وجل بعد ذلك، كما قال: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء:١٠٤].
{وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء:١٠٤]، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً، وأول الخلق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ثم تلا هذه الآية: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء:١٠٤]) والحديث رواه مسلم، ولفظه عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً بموعظة، فقال: يا أيها الناس! إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلاً) يعني: مثلما خلق الإنسان، وخرج إلى الدنيا حافياً عارياً غير مختون، كذلك يحشر يوم القيامة على هذه الصورة.
قال: (وتلا صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء:١٠٤]، ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام).