[تفسير قوله تعالى: (ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون)]
قال الله عز وجل: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ * وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:٧٤ - ٧٧].
في هذه الآيات من سورة القصص يخبرنا الله عز وجل عن رحمته بعباده كما يذكرنا بيوم القيامة، ويضرب لنا مثالاً لنعتبر ونتعظ به، فهذا إنسان قد آتاه الله عز وجل من الدنيا متعاً ومتعه، فجحد ولم يشكر نعم الله، وظن أن هذا لفضله وأنه بذكائه أوتيه وعلمه.
فقال الله سبحانه: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [القصص:٧٣]، فبعد أن ذكر بنعمه العظيمة من جعل الليل محلاً للسكون والنهار محلاً لطلب المعاش وجعلهما متعاقبين {وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} [الحج:٦٦]، فينام الإنسان ويتذكر نعمة الله عز وجل عليه بالنوم، إذ لو استمرت يقظته أياماً لتعب ولم يقدر على العمل، وقد يموت من عدم النوم.
لكن من رحمة رب العالمين أن جعل الإنسان ينام فيستريح، فكان النوم له سباتاً أي: راحة وانقطاعاً عن الدنيا، وهو مأخوذ من السبت، والسبت: القطع، والنوم هو الموتة الصغرى، ويري الله عز وجل الإنسان آياته بهذا النوم الذي يحتاجه المرء ويفتقر إليه، وهو الغني عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم عن ربنا سبحانه: (إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، بيده القسط، يرفع ويخفض) فهو الحي الذي لا يموت، والنوم أخو الموت كما جاء في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي الآية ما يفيد أن الإنسان قد يسكن بالنهار وإن كان سكونه في الليل أكثر، إذ فيه السكون وفيه الدعة والراحة والطمأنينة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من بات آمناً في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)، أي: حصل على الدنيا جميعها، فمهما كان عند الإنسان من شيء يجد نفسه لا يحتاج إلى شيء طالما عنده هذه الأشياء.
قوله: (بات) أي: جاء عليه الليل وهو في بيته.
قوله: (آمناً في سربه) أي: لا يزعجه أحد في شيء، ولا يطلب أحد منه شيئاً، ولا يقتحم أحد عليه بابه ويخيفه ويزعجه.
(معافى في بدنه) قد أعطاه الله نعمة العافية فقدر على النوم.
أما المريض ففي سهاد لا يقدر على النوم يظل يتأوه، طوال ليله، متعب يشكو عدم قدرته على النوم، فإذا أعطاك الله عز وجل السكن، وأعطاك الأمن، وأعطاك العافية، ومن عليك بقوت هذا اليوم، فلا تنظر إلى الغد لعلك لا تعيش فيه الغد.
فلو أن الإنسان دخل بيته في الليل فوجد الطعام عنده، وقد هيئ له السرير فنام مستريحاً فأي شيء يريده من الدنيا، فكان من رحمة الله بالعباد أن جعل لهم الليل ليسكنوا والنهار ليبتغوا من فضله، وكان من بلاغة الآية أن فيها لفاً ونشراً: فالليل لتسكنوا فيه والنهار لتبتغوا من فضل الله عز وجل، ورزقه ورحمته فتتنعموا بذلك في الدنيا، وتحمدوا الله سبحانه، ولعلكم تشكرونه على ما أولاكم وما أعطاكم.
وعليكم أن تدركوا أنه إذا أعطاكم في الدنيا فإنه يسألكم يوم القيامة، {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:٨]؛ ولذا قال: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ} [القصص:٦٢]، أي: يوم ينادي المشركين فيقول: {أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [القصص:٦٢]، أين هؤلاء الشركاء، الذين عبدتموهم من دون الله، واتخذتموهم أنداداً لله سبحانه، من الأصنام والأوثان والملائكة والجان.