اختلاف القراءات في قوله تعالى (فأرسله معي ردءاً يصدقني)
قوله تعالى: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا يُصَدِّقُنِي} [القصص:٣٤]، فقراءة الجمهور: {فَأَرْسِلْهُ مَعِي} [القصص:٣٤]، وقراءة حفص عن عاصم: (أرسله معيَ ردءاً يصدقني)، فقوله: (ردءاً)، هي قراءة البعض، وقراءة نافع: (ردا يصدقني)، وكذلك قراءة أبي جعفر، ولكنه يقرأ: (أرسله معي ردا يصدقْني)، وكأن (يصدقْ) جواب الأمر، حيث إن قوله: (أرسلهْ معي) طلب فكانت مجزومة على قراءة نافع، وكذلك قراءة أبي جعفر.
وبقية القراء يقرءون: (فأرسله مَعِي ردءاً يصدِّقُني).
فموسى عليه السلام طلب من الله عز وجل أن يعينه بهارون، فيكون معه وزيراًَ، ويكون معه معيناً ومدافعاً، ومقوياً له عليه الصلاة والسلام؛ لأنه يخاف من تكذيب هؤلاء.
واستجاب له ربه سبحانه، فقال سبحانه في سورة طه: {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} [طه:٣٦]، أي: كل ما سألت، فكل الذي طلبته: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه:٥٢ - ٣٢]، كل هذا استجبنا لك فيه، قال تعالى: {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} [طه:٣٦]، وليس الآن فقط، فقد مننا عليك قبل ذلك بنعم كثيرة، قال تعالى في سورة القصص: {سَنَشُدُّ} [القصص:٣٥]، أي: سنقوي، {عَضُدَكَ} [القصص:٣٥]، أي: أمرك، وأصل العضد: يد الإنسان، وذراع الإنسان عضده، فهو يمسك الأشياء بيده ويبطش بها ويأخذ ويعطي، ويعبر بذلك عن القوة، فقال: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ} [القصص:٣٥]، أي: سنقويك في أمرك، بأخيك هارون.
قال تعالى: {وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا} [القصص:٣٥]، والسلطان: هو الحجة والبيان من الله سبحانه وتعالى، أي: بيان قوي وحجة قاهرة باهرة، قال تعالى: {فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا} [القصص:٣٥]، فالله عز وجل يعصمهما؛ لأنهما نبيان من أنبياء الله، وقد قيل: إنه كان أنفع أخ لأخيه على مر التاريخ موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام.
فهو الوحيد الذي نفع أخاه بمثل هذه المنفعة العظيمة؛ لأن النبوة ليست كسباً يكتسبها الإنسان، فالوحيد الذي فعل به ذلك هو هارون؛ ببركة دعاء موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فالله عز وجل جعل أخاه بدعائه نبياً.
قال تعالى: {وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا} [القصص:٣٥]، وهنا طمأن الله موسى أن فرعون لن يستطيع عليه، لذلك كان موسى في غاية الشجاعة، حين يكلم فرعون ويرد عليه الحجة التي كان يقولها فرعون، فحجة فرعون ضعيفة، ويرد عليه موسى بالحجة القوية، التي يبهت بها فرعون، فلا يقدر أن يرد عليه، قال تعالى: {وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} [القصص:٣٥].
هنا أخبر الله سبحانه أن موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام هو وهارون الغالبان، وليس هما فقط، بل قومهما معهما، فقال تعالى: {أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} [القصص:٣٥]، وذلك حين نعطيكم الحجة والبرهان، قال تعالى: {وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا} [القصص:٣٥]، فبالسلطان الذي من الله، وبقوة المناصرة من الله، لا يصلون إليكما.
ثم قال تعالى: {بِآيَاتِنَا} [القصص:٣٥]، أي: لا يصلون إليكما وأنتما معكما الآيات من عند الله، قال تعالى: {بِآيَاتِنَا} [القصص:٣٥]، أي: بتأييدنا ستغلبون هؤلاء: {أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} [القصص:٣٥]، فكان وعد الله حقاً، فقد نصر الله موسى وهارون وقومهما على القوم الظالمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.