[تفسير قوله تعالى:(إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا)]
هنا مشهد آخر للمؤمنين الصالحين الذين دعوا إلى الله سبحانه وتعالى يصفهم الله عز وجل بهذا الوصف الجميل وهو قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا}[فصلت:٣٠] فالمؤمنون الذين قالوا: لا إله إلا الله، وشهدوا لله بالتوحيد وبالرسالة للنبي صلى الله عليه وسلم، وأخلصوا ما في قلوبهم وأعمالهم وأقوالهم لله، وتحلوا بالمتابعة الإخلاص، فتابعوا دين الله عز وجل، واتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم وأخلصوا لله سبحانه، وتوخوا الحق واتبعوه، وقالوا بألسنتهم ووافقت قلوبهم أعمالهم، فاستقاموا على طريق الله سبحانه، ولم يروغوا روغان الثعالب، ولم يذهبوا يميناً وشمالاً، ولم يتحدوا لا مع شرق ولا مع غرب، ولم يطلبوا غير الإسلام، فهو -فقط- الذي يدعون إليه، ولم يتنازلوا عن شيء من أوامر الله سبحانه، وجعلوا الإسلام العظيم شريعة ومنهاجاً للحياة، فإذا فعل الإنسان ما يرضي الله سبحانه وتعالى كان مع هؤلاء الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا، على دين الله.
وإذا وقع في المعصية فالاستقامة أن يبادر إلى طاعة الله سبحانه وتعالى، يقول صلى الله عليه وسلم:(كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) ولم يقل: إنهم لم يخطئوا، بل إنهم وقعوا في الذنوب، ولكن سرعان ما يفيئون ويعودون إلى ربهم سبحانه وتعالى تائبين.
جاء سفيان بن عبد الله الثقفي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك، أو أحداً غيرك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(قل آمنت بالله ثم استقم) ومقتضى هذه الآية العظيمة: {قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا}[فصلت:٣٠] أنهم استقاموا على طريق الهدى.
والطريق المستقيم أقصر الطرق إلى الجنة، وهو توحيد الله سبحانه وتعالى، ومتابعة الرسول صلوات الله وسلامه عليه وإخلاص العمل لله.
يقول الله تعالى:{تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}[فصلت:٣٠]، لما استقاموا على الدعوة إلى الله سبحانه، فدعو الناس إلى توحيد الله، فاقتدى الناس بهم في أقوالهم وأفعالهم، متابعين لكتاب الله ولسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال الله عنهم:{تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ}[فصلت:٣٠] عند الموت تتنزل عليهم الملائكة وتقول لهم: لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون.
إن المؤمن تخرج روحه بعرق الجبين، فقد يشدد عليه عند الموت حتى يكفر عنه ما بقي عليه من سيئات، ولكن مع ذلك فالملائكة تطمئنه وتقول له: لا تخف ولا تحزن فإنك قادم على رب غفور رحيم، اخرجي أيتها النفس الطيبة في روح وريحان، إلى رب غير غضبان، فتخرج روح المؤمن بسهولة، وإن كان قد يعاني ويرشح جبينه عرقاً من شدة الموت فإن ذلك يكفر عنه سيئاته؛ وعندما تخرج الروح تتلقاها ملائكة الرحمة، وتصعد بها إلى السماء ثم تعاد إلى الأرض، ويثبت الله المؤمن بالقول الثابت وهو في قبره، فإذا سئل: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك عليه الصلاة والسلام؟ قال: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلوات الله وسلامه عليه، لقد استقام على ذلك في الدنيا فثبته الله عليه في قبره، ففي الدنيا كان يقول: ربنا الله، فثبت على ذلك في قبره؛ لأنه استقام على دين الله، وأخذ بالدين كله بقوة، واتبع نبيه صلى الله عليه وسلم، فعرف الإسلام بحق، وعمل به، وعرف نبيه صلى الله عليه وسلم، فلما كان في قبره كان جزاؤه من جنس عمله، فقد عرف ربه وحده، فثبت الله لسانه وهو في قبره.
قال تعالى:{تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا}[فصلت:٣٠] فالخوف دائماً من المستقبل، والحزن غالباً على الماضي، وهنا لا خوف ولا حزن، فالذي يموت وله عيال صغار تقول له الملائكة: لا تخف إن الله سبحانه وتعالى هو الولي الحميد.