للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (لا يسمعون إلى الملأ الأعلى)]

قال الله تعالى: {لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الأَعْلَى} [الصافات:٨]، هذه فيها قراءتان: قراءة حفص عن عاصم وحمزة والكسائي وخلف: {لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الأَعْلَى} [الصافات:٨]، وقراءة باقي القراء: (لا يَسْمَعون إلى الملإ الأعلى)، {لا يَسَّمَّعُونَ} [الصافات:٨] أصلها: (لا يَتَسَمَّعون) وأدغمت، فالمعنى أنهم: منعوا من ذلك، والقراءة الأخرى: (لا يَسْمَعون) كأنهم يحاولون ولا يقدرون، هناك فرق بين معنى القراءتين.

إذاً: قوله تعالى: {لا يَسَّمَّعُونَ} [الصافات:٨] من كثرة ما أُلقي عليهم من الشهب فقطعوا الأمل من الاستماع إلى السماء.

والقراءة الأخرى: (لا يَسْمَعُون): ما زالوا يحاولون ولكن مُنع عنهم ذلك، فكانت الشياطين قبل النبي صلى الله عليه وسلم الكثيرون منهم يصعدون إلى السماء ويسرقون أخبار السماء وينزلون إلى الأرض، ولكن لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم جُعلت الشهب تلقى عليهم من كل جانب، وقبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم كان يلقى عليهم الشهاب ويأذن الله عز وجل أن ينزل الشيء، ويريد سبحانه وتعالى ذلك ليبين الفرق قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مبعثه عليه الصلاة والسلام؛ لذلك تعجبت الشياطين لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم وكانت الشياطين تسترق السمع.

أما وبعد بعثته عليه الصلاة والسلام وجدوا الأمر خلاف ذلك، فقالوا: حصل شيء في الأرض، إن الشهب تأتي من كل جانب، وكانوا يسمعون وينزلون بالخبر من قبل، أما الآن ليسوا قادرين على ذلك، فعرفوا أنه حصل شيء في الأرض وهو مبعث النبي صلوات الله وسلامه عليه.

إذاً: {لا يَسَّمَّعُونَ} [الصافات:٨] لا يقدرون على الاستماع، أو لا يفعلون ذلك من كثرة ما يصيبهم من الشهب التي تحرقهم.

(ولا يَسْمَعون) فإن حاولوا الاستماع فلا يسمعون شيئاً من أخبار السماء، إلا أن يأذن الله عز وجل بشيء.

وقوله تعالى: {إِلَى الْمَلَإِ الأَعْلَى} [الصافات:٨]، معناه: سكان السماء وأهلها من الملائكة، فالسماء الدنيا والتي تليها يسكن فيها ملائكة الله عز وجل وهم الملأ.

وأصل الملأ: علية القوم، كما نقول: الملأ من القوم، وفي القرآن يذكر الله عز وجل الذين كذبوا المرسلين فينزل سبحانه: {قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ} [الأعراف:٦٠]، {قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ} [الأعراف:١٠٩]، إذاً: الملأ: أعلى الناس، أصحاب المناصب في الدنيا، لكن الملأ من أهل السماء بمعنى: أهل العبادة وأهل الطاعة، ملائكة الله عز وجل الذين قربهم واصطفاهم وأعلى شأنهم وأمرهم سبحانه وتعالى، فهم الملأ حقيقة.

قال: {لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ} [الصافات:٨].

إذاً: الملأ الأعلى هم ملائكة السماء؛ لأنه هناك ملأ أعلى وهناك من هم دونهم، وملائكة الله عز وجل في كل مكان، في الأرض ملائكة، وبين السماء والأرض ملائكة، وفي السماء ملائكة، فكأن المقصد هنا: ملائكة السماء الذين يسمعون خبر الله سبحانه وتعالى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>