هذه الملائكة العظيمة التي تقف بين يدي الله سبحانه تبارك وتعالى، تتواضع للمؤمنين، وهي خلق عظيم من نور، وهي أفضل من بني آدم إلا من فضَّل الله عز وجل من بني آدم عليهم من أنبياء ورسل، فالملائكة أفضل في الجنس من بني آدم إلا من فضلهم الله سبحانه تبارك وتعالى.
وتواضع الملائكة للمؤمنين ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث:(من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما صنع) أي: أن طالب العلم الشرعي الذي يذهب ليتعلم القرآن، ويتعلم السنة، ويتعلم الفقه، ويتعلم دين الله عز وجل وأحكامه، فهذا الإنسان في خروجه من بيته إلى بيت الله عز وجل الملائكة تتواضع له وتفرح به، وتفرش له أجنحتها وتضع أجنحتها رضاً بما صنع طالب العلم.
قال صلى الله عليه وسلم:(وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر).
وأيضاً ملائكة الله سبحانه تبارك وتعالى إذا سمعوا أمر الله يحصل أنهم يعملون شيئاً، وهو ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم:(إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كالسلسلة على صفوان ينفذهم ذلك)، والحديث في صحيح البخاري وفيه:(أن الملائكة إذا سمعت أمر الله تضرب بأجنحتها من الفزع) أي: من الخوف أن تقوم القيامة، أو أن يغضب الله، يخافون ذلك مع أن الله سبحانه جعلهم لا يعصون أبداً، ولكن الخوف من الله عز وجل، ومنزلتهم العالية عند ربهم سبحانه جعلتهم يخافون أن تضيع هذه المنزلة، فإذا سمعوا أمر الله ضربوا بأجنحتهم خضعاناً لأمره سبحانه تبارك وتعالى.
إذاً بدأت هذه السورة بالقسم بملائكة الله:{وَالصَّافَّاتِ صَفًّا * فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا * فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا}[الصافات:١ - ٣]، والراجح من أقوال أهل التفسير: أن هذه الأقسام كلها بالملائكة فهي مناسبة بعضها لبعض.