قال تعالى:{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ}[محمد:١٧]، في هذه الآية مسألة من مسائل العقيدة التي يؤمن بها المؤمنون، وهي أن الإيمان يزيد وينقص، كما قال تعالى:{وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}[الكهف:١٣]، وقال:{لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ}[الفتح:٤]، فالإيمان أصله التصديق، والذي يريده الله عز وجل ليس مجرد تصديق، ولكن التصديق الذي يدفع إلى العمل واليقين في القلب، فاليهود كانوا مصدقين بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا يظهرون ذلك، بل يظهرون خلاف ما يعتقدونه، فإذا قالوا: أنت نبي، يستثنون ويقولون: ولكنك نبي الأميين، فهم مصدقون أنه صلى الله عليه وسلم نبي، وهم يعرفون بينهم وبين أنفسهم أنه نبي، والكفار كان في قلوبهم التصديق بأنه نبي صلى الله عليه وسلم، ولكن حسدوه صلوات الله وسلامه عليه، وقالوا: وأنى لنا نبي؟ فهم يعرفون معرفة يقينية أن هذا رسول، ولكنهم لم يتبعوه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لبعض اليهود وقد جاءوا إليه وسألوه وقالوا له: صدقت يا محمد! فقال صلى الله عليه وسلم: (فما يمنعكم أن تتبعوني؟) فهم كلهم يقولون: أنت صادق، وأنت نبي فعلاً، وقبلوا يديه ورجليه صلى الله عليه وسلم، فكما فلما قال لهم:(ما يمنعكم أن تتبعوني؟) قالوا: نخاف من اليهود، فهؤلاء ليسوا مكذبين للنبي صلى الله عليه وسلم، وليس في قلوبهم أن هذا ليس نبياً، بل هم يعرفون في قلوبهم أنه نبي، بدليل أنهم يعترفون له بذلك، ولكن هذا لا ينفع، فمجرد كونك عرفت أنه نبي ولكنك لم تتبعه هذا لا ينفعك، بل لا بد من الاتباع، ولذلك قال:(ما يمنعكم أن تتبعوني؟) قالوا: نخشى من اليهود، والبعض الآخر قالوا: إن داود دعا بأنه لا يزال في ذريتي نبي، فنحن ننتظر نبياً من ذرية داود عليه وعلى نبينا الصلاة السلام.
وكذبوا فيما قالوه للنبي صلى الله عليه وسلم، فالإيمان الذي يريده الله عز وجل ليس مجرد التصديق بأن هذا كتاب من عند الله، وأن هذا رسول من عند الله صلوات الله وسلامه عليه، ولكن المراد تصديق ويقين يدفع للاتباع، فيدخل الإنسان في هذا الدين، ويقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، فإذا دخل الإنسان في الإيمان عمل الصالحات، وازداد إيماناً فوق إيمانه، فالإيمان يزيد وينقص، يزيد الإيمان بالطاعة، وينقص الإيمان بالمعصية.
فمن اعتقاد المؤمنين أن الله عز وجل يزيد المؤمنين إيماناً، فيزدادون درجات من عند الله عز وجل، وبالمعاصي ينقص الإيمان، وليس المعنى أنه بالمعصية ينقص ويصير كافراً، ولكن المعاصي تتنوع، فقد تكون المعصية كفراً بالله سبحانه تبارك وتعالى، وأعظم ذلك الشك بهذا الدين والتكذيب بما جاء به سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام.
فالمؤمنون زادهم الله عز وجل هدى وآتاهم تقواهم، فيعين الله عز وجل المؤمن بأن يعطيه في قلبه ما يجعله يبصر أن هذا خطأ فيتقي الله، ويبتعد عن الخطأ.