[تفسير قوله تعالى:(وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن)]
قال الله تعالى:{وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ}[فاطر:٣٤] هذه السورة بدأها الله عز وجل بقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}[فاطر:١] وهنا يذكر حال أهل الجنة وأنهم يحمدون الله سبحانه، ويقولون:((وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ))، والمؤمنون في الدنيا حمدوا ربهم سبحانه، وفي الجنة يحمدون الله على ما صاروا إليه.
((الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ)) أي: الحزن الذي كان في الدنيا؛ لأن الدنيا دار الآفات ودار المحن ودار الفتن والبلاء والمصائب.
فالإنسان في الدنيا بين خوف وحزن، خائف من المستقبل، وحزين على الماضي، سواءً كان غنياً أو فقيراً فهو على هذا الحال، فالغني يجمع المال وينظر في أمره ويخاف أن يضيع منه، فهو بين الحزن والخوف، كذلك الإنسان الفقير، حزين على حاله أن الناس معهم مال وليس معه مال، وخائف أن يزداد فقره هذا حال الإنسان في الدنيا بين خوف وحزن، ولكن في الآخرة لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فإنهم عند ربهم سبحانه وتعالى، فهم يثنون الثناء الجميل على الله بما هو أهله، ويقولون: الحمد لله الذي أنعم علينا بأن أذهب عنا الحزن، {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ}[فاطر:٣٤]، إن ربنا سبحانه غفور غفر لنا ذنوبنا، شكور يشكر ما قدمناه من عمل ولو كان شيئاً يسيراً، فجازانا على القليل وعلى الكثير بفضله وكرمه سبحانه وتعالى.
وقد بين لنا سبحانه في سورة الفرقان صفات عباد الرحمن، فقال:{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا}[الفرقان:٦٣] وذكر تعالى ما أنعم عليهم فقال: {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا}[الفرقان:٧٥ - ٧٦].
في هذه الآيات أخبر الله عز وجل عن عباد الرحمن أنهم يجزون الغرفة أي: أعالي الجنات، وعباد الرحمن هم الذين يتوبون إلى الله سبحانه من الذنوب، {وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا}[الفرقان:٧١]، فهؤلاء الذين تابوا إلى الله قال فيهم:{فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}[الفرقان:٧٠]، فإذا بأهل الجنة حين يدخلونها ينظرون إلى أن الله قد أكرمهم وأعطاهم ثواباً عظيماً لم يخطر على بالهم، حتى إنه حين يحاسبهم سبحانه يدني منه المؤمن بكرمه، ويضع عليه كنفه وستره يوم القيامة، ثم يقرره: عملت كذا يوم كذا، وعملت كذا يوم كذا، يقرره بذنوبه، قد ستره الله سبحانه وتعالى ولم يفضحه سبحانه وتعالى، يقول:(قد سترناها عليك في الدنيا واليوم نغفرها لك، ويأمر الملائكة أن يأتوه بصحيفة سيئاته لينظر فيها، ويقول: واروا عنه كبار سيئاته فيريه أشياء من صغائره التي وقع فيها، والعبد في شدة الخوف أن يرى ما هو أكبر من ذلك) فالله بكرمه يخفي عنه ذلك، فإذا قرره يقول له:(اليوم نبدلها حسنات) أي: هذا الذي رأيته أمامك في هذه الصحيفة سنبدله حسنات ونعطيك مكان كل واحدة تبت منها حسنة عندنا، فإذا بالعبد يفرح بذلك ويتبجح، ويقول لله:(هناك أشياء لا أراها هنا) يعني: من ذنوب قد أخفاها الله عز وجل عنه حتى لا يحرجه ولا يضيق عليه بكرمه وبفضله سبحانه وتعالى يوم القيامة.
ويوم القيامة يقتص الله لعباده بعضهم من بعض، حتى يؤتى بإنسان مؤمن وقد أخذ من حسناته حتى لم يبق له إلا حسنة واحدة، فإذا به يخاف أن تضيع هذه الحسنة، والله بكرمه سبحانه ينميها له ويضاعفها له ويدخله بها الجنة سبحانه وتعالى.