للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[معنى قوله تعالى: (وما تخرج من ثمرات من أكمامها)]

قال تعالى: {وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا} [فصلت:٤٧]، وما تخرج من ثمرات، فالثمرة تخرج من الكم وهو الطلع أو وعاء الطلع، والوعاء القشرة التي تنشق وتخرج من داخله الثمرة، وتسمى بالكم أو بالكمة وجمعها الأكمام، وكذلك تسمى بالكفرة، وهي الطلع الصغير الذي إذا انشق خرجت منه الثمرة، فالله عز وجل عنده علم خروج هذه الثمار، ومتى تنشق وتخرج، ومتى لا تخرج أو لا يخرج منها شيء ومتى تموت.

{وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا} [فصلت:٤٧]، فالله عز وجل يرينا علمه العظيم المبدع، إذا تأملت في هذا الشيء فإنه تحار فيه العقول، والإنسان يذل ويخضع لرب العالمين سبحانه الذي أخضع كل شيء، والذي خلق كل شيء، والذي علم كل شيء سبحانه تبارك وتعالى، {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} [الأعلى:٣ - ٥]، فالله هو العليم الخبير، وهذا من علم الله {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} [البقرة:٢٥٥]، فانظر إلى علم الله سبحانه تبارك وتعالى.

{إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ} [فصلت:٤٧]، أخفاها الله سبحانه تبارك وتعالى، وإن الساعة آتية لا محالة ولا شك في ذلك قال تعالى: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [طه:١٥] أخفاها الله سبحانه تبارك وتعالى، فلا يعلم متى تكون الساعة ولا أي مخلوق من مخلوقات الله سبحانه تبارك وتعالى، فبالغ ربنا في إخفائها، والإخفاء يأتي بمعنى عدم الظهور والاستتار، {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه:١٥] يعني: من شدة إخفائها أكاد أخفيها فلا يعلم أحد عنها شيئاً، ولكني أعلمت ببعض علاماتها، ولو شئت ما أخبرتكم شيئاً عنها، فتأتي الساعة فجأة على العباد من غير أن يعرفوا لها أمارة، ولكن الله برحمته بين علاماتها، لنأخذ حذرنا، فإذا وجدتم الحفاة العراة رعاة الشاء يتطاولون في البنيان فإن الساعة آتية، وقال عز وجل: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل:١]، {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه:١٥]، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} [النازعات:٤٢ - ٤٣].

إذاً أخفاها الله فلا يعلم أحد متى تكون، وهي قريبة جداً على وشك أن تظهر للعباد وعلم ما تخرج من ثمرات من أكمامها، فانظر إلى شجرة واحدة، ونخلة واحدة وانظر إلى عدد الثمار التي فيها، وتأمل في كل بلحة من الذي أحصى عدد هذا الذي في النخلة الواحدة؟ فكم يكون عدد البلح في البستان؟ وكم نخلة في العالم كله؟ فالله هو الذي يحصي كل ثمرة تخرج، بل ويعلمها قبل أن تخرج من الكفرة، ومن طلعها، فالله عز وجل أعلم بخروجها أو عدمه، ويعلم ما يكون مذاقها، ويعلم أي شكل ولون ستصبح! وقس على ذلك كل خلق الله سبحانه تبارك وتعالى؛ فتتعجب وتحتار في علم الله العظيم القهار سبحانه تبارك وتعالى، فإليه يرد العلم كله، والإنسان لا يحوي على جزء بسيط من علم الله، ولو ظل يدرس شيئاً معيناً، فكلما ازداد علماً وازداد تخصصاً، يقول: أنا متخصص في الشيء الفلاني، ويحضر فيه الدكتوراة، ويحضر فيه ماجستير ويتخصص في جزئية واحدة، فمن المستحيل أن يحيط بهذه الجزئية علماً، ولكنه علم كثيراً عنها أما أن يحيط بها علماً فلا، فالله هو الذي أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً سبحانه تبارك وتعالى.

قال الله: {وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا} [فصلت:٤٧]، قد علمها الله سبحانه تبارك وتعالى {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} [فصلت:٤٧]، فهو يعلم سبحانه متى تحمل هذه الأنثى، وقد قدر الله عز وجل ما يكون في ذلك، ومتى تضع هذه الأنثى، فالله عز وجل يقدر ذلك، ويقدر هل تحمل بذكر أو بأنثى، فإلى الله عز وجل علم ذلك، ويعلم متى تلد، وهل ينزل هذا الجنين حياً أو ميتاً، وهل ينزل فيعيش إلى أن يبلغ الشيخوخة أم يموت وهو شاب صغير، وهل يكون شقياً أم سعيداً، فإلى الله علم ذلك كله.

يقول تعالى: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلا تَضَعُ} [فصلت:٤٧] لا يكون حملها إلا بعلم الله سبحانه تبارك وتعالى، فربنا يعلم كل شيء، ويحصي كل شيء، فإذا جئت يوم القيامة قال لك: عملت كذا وعملت كذا وعملت كذا، وأحصى عليك كل شيء تعمله، فإذا كان الله يراقبك، والله يحصي علينا كل ما نقوله وما نفعله فلنحذر من يوم اللقاء.

<<  <  ج:
ص:  >  >>