[تفسير قوله تعالى: (أفمن شرح الله صدره للإسلام)]
ذكر الله أنه لا يستوي من شرح الله صدره للإسلام بهذا القرآن العظيم مع إنسان ترك القرآن وراءه ظهرياً ولم يؤمن به فقال تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الزمر:٢٢]، وهل يستوي الذي علم من القرآن وتعلم وعمل واهتدى بهذا القرآن العظيم مع من لم يستفد منه شيئاً؟ وقس على ذلك إنزال المطر من السماء على أرض خصبة فينبت ما فيها من زرع، وعلى أرض أخرى قاحلة يتسرب من خلالها ويذهب إلى مكان بعيد فلا يستفيد أصحاب الأرض بهذا المطر الذي جاء من السماء.
كذلك القرآن ينزل على قلوب العباد فتختلف في تقبله كما تختلف الأرض في تقبل الماء، فهذه أرض زراعية جيدة وهذه أرض أقل جودة، وهذه أرض سبخة، وهذه أرض زرعها مر، فينزل المطر على الأرض كلها، فتنبت بما فيها أو لا تنبت أصلاً.
كذلك القرآن فهذا إنسان صالح قلبه فيه النور فيهديه الله سبحانه تبارك وتعالى، وهذا إنسان طالح يعرض عن الله سبحانه تبارك وتعالى قلبه المظلم فلا يستفيد بشيء من القرآن، فالقرآن العظيم يهدي به الله من يشاء، ما قال: يهدي به كل الخلق، ولكن رجع الأمر إلى قضاء الله وقدرته سبحانه يهدي من يشاء فضلاً منه سبحانه، ويضل من يشاء عدلاً منه سبحانه.
فهل من شرح الله صدره للإسلام كمن لم يشرح الله صدره للإسلام؟ وشرح بمعنى: بسط ووسع وفسح في صدره، فانفسح صدر الإنسان ليستوعب هذه المعاني التي جاءت في هذا القرآن العظيم.
وهل يستوي هذا الصدر الرحب الفسيح الذي يفرح بكتاب الله سبحانه ويتأمل فيه ويتدبر معانيه ويعمل بما فيه، مع إنسان ضاق صدره وتحرج حتى صار شديد الضيق بهذا القرآن، فلا يفهم ولا يعقل وكل همه أن يرد عليه وأن يرفضه؟ فالإنسان الذي شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ صار عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ، فاستجاب لنور القرآن فأصبح نوراً على نور.
والإنسان الذي لا يستفيد بهذا القرآن فهو من القاسية قلوبهم من ذكر الله، الذين قال فيهم: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ} [الزمر:٢٢]، وويل: وعيد من الله سبحانه تبارك وتعالى للإنسان القاسي القلب، وقسا قلب الإنسان بمعنى صلب حتى صار صلباً جامداً كالحجارة بل هو أشد قسوة من الحجارة، وهذا لا تنفع معه الموعظة إنما الذي يلينه نار جهنم والعياذ بالله.
والويل الهلاك والإبعاد، وهو واد في قعر جهنم جعله الله لهذا الإنسان الذي قلبه قاس ولا ينتفع بهذا القرآن ولا يستشفي به يتركه وراءه ظهرياً.
وقوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر:٢٢] يعني: قلوبهم خالية من ذكر الله فلا يذكرون الله سبحانه تبارك وتعالى، وتقسو قلوبهم إذا ذكر الله سبحانه تبارك وتعالى.
والمؤمن عندما يذكر ربه يستجيب ويخضع لله سبحانه، ويدعو ربه أن يكون من أهل التقوى.
وإنسان آخر تنصحه بأن يتقي الله فإذا به يعاند ويقول لك: اذهب اتق الله أنت، همه أن يجيبك بمثل ما تقول، فلا ينتفع قلبه بسماع الموعظة ولا يريدها؛ لأن قلبه قاس.
والمؤمن إذا سمع القرآن انفسح قلبه وانشرح وتذكر الدار الآخرة فعمل لهذه الدار الآخرة.