وقوله تعالى:{وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} كلح الإنسان بمعنى: عبس وجهه وكان فيه عبوس وضيق وانقباض، (وهم فيها كالحون) قال ابن عباس: وهم فيها عابسون، وأيضاً الكلوح في خلقة الإنسان التشويه والقبح فيها، فهم في غاية العبوس من شدة ما يقاسونه من نار جهنم والعياذ بالله فهم فيها عابسون.
قالوا: الكلوح تكشر في عبوس، يقال: فلان كشر عن أنيابه أي: أنه تقلصت العضلات التي في الوجه بحيث انفتح الفم وظهرت الأنياب، وبمعنى: تبسم، لأنه عندما يتبسم الإنسان تنقبض عضلات الوجه، فيبدو الفم والأسنان، فهذا أصل الكشر.
وهنا يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: إننا نكشر في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم، فنكشر بمعنى نتبسم، أي: ندفع شر هؤلاء بالتبسم في وجوههم ولكننا لا نحبهم، فهذا الكشر بمعنى ظهور أسنان الإنسان، وهم في النار لا يضحكون ولكن من شدة العذاب تقلصت الشفاه فإذا بالأسنان تبدو فيها، والمنظر غاية في القبح فالوجوه عابسة والأسنان بادية.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ألم تر إلى الرأس المشيط بالنار قد بدت أسنانه وقلصت شفتاه.
وفي الترمذي عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً:(وهم فيها كالحون) قال: (تشويه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه، وتسترخي شفته السفلى حتى تبلغ سرته)، وإن كان في إسناده ضعف.
والإنسان المحروق بالنار فإن جلده يشيط وينكمش، فكذلك هؤلاء، فعندما تأتي نار جهنم والعياذ بالله على وجوههم فإنها تنكمش هذه الوجوه، فإذا بهم عابسون في نار جهنم من شدة الضيق والهم والعذاب الذين هم فيه، كذلك الوجوه مشوية ومشوهة، قال تعالى:{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ}[النساء:٥٦] والعياذ بالله.
والموحدون الذين كانوا يصلون في الدنيا وكانوا يعصون ربهم وغلبت عليهم السيئات فدخلوا النار، فإن النار لا تأتي على الأماكن التي كانوا يسجدون عليها، وهي: الجبهة والكفان والركبتان وبطون أصابع القدمين.