[اختلاف العلماء في وقوع زواج النبي صلى الله عليه وسلم من المرأة التي وهبت نفسها له]
لكن هل وقع ذلك، هل وهبت امرأة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فتزوجها، فالآية أباحت، واختلف العلماء في الوقوع، فالكثيرون على أنه لم يقع أن امرأة وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فتزوجها.
والبعض ذكروا أن ممن وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، السيدة: ميمونة بنت الحارث، والبعض ذكر السيدة: زينب بنت خزيمة التي تكنى بأم المساكين الأنصارية.
وجاء في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: (كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقول: أما تستحي امرأة تهب نفسها لرجل؟) أي: أن السيدة عائشة كانت تغار من ذلك، وكانت تقول ذلك، (حتى أنزل الله عز وجل {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب:٥١]، فقالت السيدة عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم: والله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك) أي: أن الله يحب الذي تحبه أنت، صحيح أن عائشة تغار، ولكن الحكم الشرعي: أن تلتزم السيدة عائشة وغيرها من نساء النبي صلى الله عليه وسلم بحكم الله سبحانه وتعالى فيما أباحه لنبيه صلوات الله وسلامه عليه.
ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يتزوج، فكان نساء النبي صلى الله عليه وسلم لو كن يعرفن حيلة يمنعنه بها من الزواج لفعلن.
يقول الله عز وجل: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:٥٠] أي: أن مسألة أن تهب المرأة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم مسألة خالصة له، أي: أن هذا الحكم خاص به صلى الله عليه وسلم.
{إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا} [الأحزاب:٥٠] أي: يتزوجها، يستنكح وينكح بمعنى واحد، أي: يتزوجها صلوات الله وسلامه عليه.
قال سبحانه: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ} [الأحزاب:٥٠].
إذاً: هذا بيان للمؤمنين أنه لا أحد يعترض على النبي صلى الله عليه وسلم، فالله عز وجل يخبرهم أنه لا يسأل عما يفعل.
وقوله تعالى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا} [الأحزاب:٥٠] أي: فرضنا عليهم شيئاً، وفرضنا عليك أشياء غير ما فرضنا عليهم، وفرضنا عليك وعليهم أشياء أخر، أي: علمنا الأمر والفرق بينك وبينهم، فليس لأحد أن يعترض على حكم الله سبحانه.
قال: {لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} [الأحزاب:٥٠]، أي: أحل الله لنبيه صلى الله عليه وسلم هذه الأشياء، ونزل قرآناً يتلى حتى لا يكون عليه حرج صلى الله عليه وسلم في أن يتزوج أكثر من أربع نسوة، ويمنع المؤمنين من النكاح بأكثر من أربع.
قال: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب:٥٠] فالله هو الغفور الرحيم، كان ولم يزل سبحانه وتعالى، فهذه اللفظة تفيد الأبدية، أي: أنه شيء أبدي دائم سرمدي، أي: أن لفظة: كان الله غفوراً رحيما، فمعناها: أنه في الماضي: غفور رحيم، وفي الحاضر: غفور رحيم، وفي المستقبل: غفور رحيم سبحانه وتعالى.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.