للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التحذير من ولاية الظالمين]

ثم قال سبحانه: {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ} [الجاثية:١٩] أي: في الدنيا، {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الجاثية:١٩] يحذر الله عز وجل المؤمنين من الظلمة ومن الكفرة، وكأنه يقول لهم: إن الذي يتولى أمركم هو من كان على دينكم، وهو من يحبكم لله عز وجل، أما الذين يكرهونكم في الله، والذين يكيدون لكم، حتى وإن أظهروا أمامكم التسامح والمساواة والحرية والديمقراطية، فهؤلاء كاذبون، مجرمون، اخترعوا هذه الأشياء ليضيعوا عليكم دينكم، قال: {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الجاثية:١٩] أي: أن الظلمة الكفرة من اليهود والنصارى والمنافقين والمشركين ينصر بعضهم بعضاً، فإن الولاية تأتي بمعنى الدفاع وبمعنى الدفع والنصر، فهؤلاء الكفار أعداء لكم، يتولى بعضهم بعضاً عليكم أنتم -أيها المسلمون- وينصر بعضهم بعضاً عليكم، يأتون ويجمعون أنفسهم ليقاتلوكم وليخرجوكم عن دينكم، قال تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:١٢٠]، والذي قال ذلك وشهد به ليس نحن، هذا رب العالمين سبحانه، الذي يعلم خلقه، {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤]، علم ما في القلوب، فمهما تبسم لك الكافر، فالله أعلم بما في نفسه، والأيام تظهر للمسلمين غباء ما كان في عقولهم حين صدقوا هؤلاء، وتركوا ما قاله الله سبحانه تبارك وتعالى، قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:٥١]، وما قاله سبحانه: ((وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض)).

قد أخبر عن حقيقتهم بقوله: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:١٢٠]، أخبر الله بذلك وإذا بالمسلمين تأخذهم أمور الدنيا ويقولون: هؤلاء متقدمون، هؤلاء يحبون الدنيا كلها، هؤلاء يعملون كذا، هؤلاء يعملون كذا، هذه العداوة وهذا التحذير في اليهود والنصارى الذين كانوا أيام النبي صلى الله عليه وسلم، وربنا يحذر المؤمنين في كل زمان، احذروا من هؤلاء، فإن عدوك هو عدو دينك، فمن عادى دينك فهو يعاديك حتى وإن أظهر لك المسالمة، وإن أظهر لك أنك حبيب له، فإنه يظهر ذلك حين تكون قوياً، أما حين تكون ضعيفاً، فإنه يظهر هذه العداوة، فهم يقولون مثلاً: إن السخرية من الأديان ممنوعة، وهم ماذا يعملون اليوم؟ هؤلاء يسبون الإسلام، ويسبون المسلمين، وكل يوم يأتون بشيء جديد، فهذه الدنمارك شتمت النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرجت الصور السافلة التي تدل على حقارتهم ودناءتهم، وأنهم كلاب مجرمون خنازير، ثم تبعتها فرنسا، وبعدها النمسا، ثم بعد ذلك يظهر الرؤساء من فرنسا وأمريكا ويقولون: لا، هذا الشيء عيب، ثم تأتي صحفهم وتنشر هذا الشيء، وبعد هذا يقولون للمسلمين: اتركوا الإرهاب الذي أنتم فيه، وحاولوا تتعودوا على المسامحة الدينية، أي: نحن نضربكم وأنتم تسامحوننا! نحن نقتلكم وأنتم تسامحوننا! نحن نحتل دياركم وأنتم تسامحوننا! لكن العكس لا، فهم غير ممكن أن يقبلوا من المسلمين ذلك، فمجرد أن إيران قالت: إنها ستصنع قنبلة ذرية، أو إنها ستقوم بتخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية، فقالوا لها: لن نسمح لكم بهذا الشيء، حتى فرنسا التي أصبحت الآن لا يؤبه بها تريد أن ترجع الآن لأيام نابليون، فتقول: عندنا الخيارات مفتوحة، ونحن سوف نتصرف معها، يعني: تريد تقول: نحن كذلك ما زلنا من أيام نابليون نحكم العالم، ولنا كلمة الآن، وممكن نتصرف مع إيران مثلما نريد، ونبعث لها الذي نريد، ولنا الخيارات التقليدية والغير تقليدية، يعني: نحن ممكن نرسل قنبلة ذرية من عندنا على إيران، لنا الخيار، من الذي أعطاهم هذا الخيار؟ إنه خيبة المسلمين، وخيبة العرب، بعدهم عن دينهم، تكذيبهم لربهم سبحانه، فربنا قال لنا: احذروا من هؤلاء، فقال بعض المسلمين: هؤلاء تغيروا، وهم لم يتغيروا، فإن في قلوبهم الغل، وفي قلوبهم البغض للإسلام والمسلمين، وفي فرنسا لما قتلوا واحداً من المسلمين هنالك، وخرج العرب بمظاهرات، قالوا: هؤلاء حثالة المجتمع، هؤلاء المشردون من المجتمع، هؤلاء المفروض أن يرجعوا لبلادهم، هؤلاء كذا، وشتموا العرب، وشتموا الإسلام والمسلمين، وظهر هؤلاء أمام العالم كله يتكلمون بأن هؤلاء مجموعة من المتظاهرين، ولم يقولوا: إنهم مسلمون، وهذه حقيقة الأمر، أنهم عرب وأنهم مسلمون، فأظهروا للعالم أن هؤلاء السفلة والأوباش، وأنهم لم يتعلموا شيئاً، وأن المفروض أن يرجعوا إلى بلادهم؛ لأنهم جهلة.

وهكذا أصبح المسلمون لا يتعلمون إلا حين تحتل ديارهم، ويظهر المنافقون فيهم ليأتي الأمريكان وغيرهم يسلطونهم على المسلمين في ديارهم، فقد سلطوا المنافقين في العراق على أهل العراق، حتى جأر أهل العراق وقالوا: سجون الأمريكان أرحم من سجون المسلمين، قالوا هذا الشيء؛ لأن هؤلاء الذين يتسلطون على المسلمين ليسوا مسلمين، الذين يقومون بسجن وتعذيب المسلمين ليسوا مسلمين، فالكافر يأتي إلى بلاد المسلمين ولا يريد أن يجلس فيها، بل يريد أن يأكل خيراتها، وأن يولي عليها منافقين يطيعونه فيما يقول، ولذلك انظروا ماذا عملوا في العراق، أول ما دخلوه استولوا على منابع البترول على الأراضي المحيطة بالفرات؛ لأن هدفهم أخذ خيرات العراق، وإقامة دولتهم الصليبية، وذلك أن الكنيست الإسرائيلي معلق فيه: دولة إسرائيل من النيل إلى الفرات، وستظل إسرائيل تعمل إلى أن يتم ذلك، فتحتل الدول العربية، وتأخذ ما تريد منهم تحت ضغط الحرية والديمقراطية والحداثة، وكأنهم يقولون: دعوا الجهل الذي أنتم فيه إلى غاية أن نحتل بلادكم، ثم يجد المسلمون في النهاية أنفسهم لا يملكون شيئاً، فضاع منهم دينهم، وضاعت منهم ديارهم وأموالهم، وأخذ الغرب ذلك، إلا أن يفيق المسلمون لأمر الله عز وجل، ويرجعوا إلى دينه.

قال الله تعالى: ((َإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)) أي: لن يكونوا أولياء لكم أيها المسلمون، وإنما هم يوالي بعضهم بعضاً، وينصر بعضهم بعضاً، وسيكونون عليكم في يوم من الأيام.

ثم قال تعالى: ((وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) فلم يقل: ولي المسلمين؛ لأن الكل يقول: أنا مسلم، وإنما قال: ((وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ)) أي: الذين اتقوا الله سبحانه وآمنوا به، فما قالوا: نحن مسلمون نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجعلون القرآن معلقاً في السيارة أو في البيوت ولا يعرفون عنه شيئاً، ولا قاولا: نحكم بالشرائع المدنية، والقرآن هذا كان في الزمان الأول، فهو كتاب رجعي، دعنا في الشرائع المدنية الآن! فليس هؤلاء الذين يقولون الإسلام بألسنتهم هم أولياء الله، وإنما أولياؤه الذين اتقت قلوبهم ربهم سبحانه، دخل الإيمان فعمر قلوبهم، ونورها، خافوا من ربهم سبحانه، فعملوا ليوم الحساب، وعملوا لتحصيل تقوى الله سبحانه فحصلوها، واتقوا غضبه سبحانه، فهؤلاء هم الذين يتولى الله عز وجل أمرهم ويدافع عنهم، فقال سبحانه: ((وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ)) أي: نصير ومدافع.

<<  <  ج:
ص:  >  >>