[تفسير قوله تعالى:(قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون رب موسى وهارون)]
لما اجتمع السحرة مع موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام قالوا له متأدبين معه كما في سورة الأعراف أيضاً:{يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ * قَالَ أَلْقُوا}[الأعراف:١١٥ - ١١٦]، فاختصر ربنا سبحانه كلام موسى، بينما هنا يقول:{قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ}[الشعراء:٤٣]، وقد أتوا ومعهم الحبال والعصي لكي يرموها أمام الناس، فتظهر أمامهم أنها قد صارت حيات تسعى في الأرض، وكذلك عصيهم، قال تعالى:{فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ}[الشعراء:٤٤]، ودعوا بعزة فرعون فقالوا:{بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ}[الشعراء:٤٤]؛ لأنه ربهم بزعمهم.
{سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ}[الأعراف:١١٦] وأتوا بسحر ليس هيناً، بل هو سحر عظيم، فإن الإنسان يخدع حين يرى هذا الكم الهائل من العصيان ومن الحبال وهي تتلوى على الأرض أمام أعين الناس، قال تعالى:{فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ}[الشعراء:٤٤] أي: يقسمون بعزة فرعون أنهم هم الغالبون؛ لأنهم رأوا العصيان كثيرة أمامهم وصارت حيات كثيرة، وموسى معه عصا واحدة.
فيأتي الأمر من الله عز وجل لموسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام أن لا تخف، قال تعالى:{وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}[طه:٦٩]، فلما جاء الأمر من الله ألقى موسى عصاه، قال تعالى:{فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ}[الشعراء:٤٥].
واختصر القصة هنا ربنا سبحانه وتعالى، فذكر أنهم ألقوا فألقى موسى، وبأمر الله سبحانه صارت عصاه حية تسعى وهي عصا واحدة، قال تعالى:{فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ}[الشعراء:٤٥] أي: تبتلع وتلتقط كل العصي والحبال الموجودة على الأرض، وتأكلها جميعها، قال تعالى:{فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ}[الشعراء:٤٥].
فقوله تعالى:{تَلْقَفُ}[الشعراء:٤٥]، هذه قراءة حفص عن عاصم، وأما قراءة البزي عن ابن كثير:(فَإِذَا هِيَ تَّلَقَّفُ مَا يَأْفِكُونَ)، بالإدغام، وقراءة باقي القراء:(فَإِذَا هِيَ تَلَقَّفُ مَا يَأْفِكُونَ)، يعني: تبتلع كل ما أمامها من هذه العصي وهذه الحبال، وغُلب هنالك السحرة، وعلموا أن هذا لا يكون إلا من الرب سبحانه، فخروا لله ساجدين؛ لأنهم عرفوا الحق.
فقد كانوا في أول النهار من أكفر الناس، وصاروا في آخر النهار عباداً لله سبحانه وتعالى، قال تعالى:{فَأُلْقِيَ}[الشعراء:٤٦] أي: خروا وألقوا بأنفسهم ساجدين لله رب العالمين، {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:٤٧]، سبحانه وتعالى، {رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ}[الشعراء:٤٨]، على نبينا وعليهما الصلاة والسلام.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.