ذكر الله سبحانه وتعالى قصة إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام وكيف دعا قومه إلى عباده الله سبحانه وكسر أصنامهم، ثم هاجر من بين أظهرهم وقال:{وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ}[الصافات:٩٩] فبشره الله سبحانه بغلام حليم وكان من أمره ما كان، وأمر الله بذبحه، فنفذ أمر الله سبحانه تبارك وتعالى ففداه الله بذبح عظيم، وهذا الغلام الذي فداه الله هو ولد هاجر، واسمه إسماعيل على نبينا وعليهم الصلاة والسلام، وبينه وبين إسحاق ثلاث عشرة سنة، وإسحاق هو ابن سارة، فبشره الله سبحانه أنه سيولد له ولد من زوجته العجوز الكبيرة، ويكون نبياً من بعده، وسيكون له عقب من ذريته، قال تعالى:{وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}[هود:٧١] أي: إسحاق سيكون نبياً وسيكون له الولد وهو يعقوب.
قال الله تعالى:{وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ}[الصافات:١١٢]{وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا}[الصافات:١١٣] أي: من ذرية إبراهيم وإسحاق المحسن ومنهم الظالم لنفسه ظلماً بيناً، قال تعالى:{وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ}[الصافات:١١٣]، فالمحسن من ذريتهما هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والرسل، كذلك المؤمنون الأتقياء والأولياء وغير ذلك من عباد الله سبحانه، ومنهم الذين يظلمون أنفسهم ظلماً بيناً، فيعبدون غير الله سبحانه، فمن ذرية هؤلاء جاء من عبد غير الله سبحانه وادعى الشرك لله سبحانه، قال تعالى:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ}[المائدة:١٨] فهؤلاء يقولون: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ}[المائدة:١٨] فيزعمون أنهم لله عز وجل بمنزلة الولد وأنه يحبهم ويرحمهم، فقال لهم سبحانه موبخاً لهم:{قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ}[المائدة:١٨] أي: عبيد من عبيد الله سبحانه كغيركم من العبيد يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، وقال تعالى:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ}[التوبة:٣٠] ثم يزعمون أن الله لا يعذبهم، فهؤلاء الذين عبدوا غير الله سبحانه وزعموا الصاحبة والولد لله هم الذين ظلموا أنفسهم ظلم بيناً عظيماً بدعائهم الولد لله والشريك له حاشى له سبحانه وتعالى.
ثم قال الله عز وجل:{وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ}[الصافات:١١٤] هذان من ذرية إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، إبراهيم ابنه إسحاق، وإسحاق ابنه يعقوب وهو إسرائيل، ويعقوب ذريته الأسباط، ومن أبناء يعقوب لاوي، ومن أحفاد هذا الابن كان موسى بن عمران وأخوه هارون بن عمران عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام، فموسى وهارون من أحفاد يعقوب على نبينا وعليه الصلاة والسلام، ومن نفس هذه الذرية إلياس، فهو من أبناء هارون على نبينا وعليه الصلاة والسلام، ويرجعون في النهاية إلى يعقوب، ويعقوب هو إسرائيل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام.
قال تعالى:{وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ}[الصافات:١١٤] من الله عز وجل عليهما، وذكر قصة موسى في القرآن في مواضع كثيرة، يذكر موسى ويذكر رسالته، ويذكر دعوته لبني إسرائيل، فهو من أكثر الأنبياء عليه الصلاة والسلام ذكراً في القرآن، فهو من أولي العزم من الرسل، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن ينظر في قصته وأن يعتبر بذلك، وقد كان إذا أوذي صلى الله عليه وسلم يقول:(رحم الله أخي موسى! لقد أوذي أكثر من هذا فصبر) فهو صاحب الشريعة التي كانت قبل شريعة النبي صلى الله عليه وسلم، فالمسيح عمل بشرع موسى عليه الصلاة والسلام بتوراته، فموسى صاحب كتاب وصاحب شريعة، إذ حكم بين الناس بالتوراة، فقد نزلت التوراة فيها هدى ونور، وجاء القرآن شريعة بعد التوراة، أما الإنجيل فكان كتاباً فيه موعظة يعظ الله عز وجل بها بني إسرائيل، وأما الحكم فكان بالتوراة؛ فلذلك الشريعة التي سبقت شرع محمد صلوات الله وسلامه عليه هي التوراة التي نزلت على موسى، ويوضح ذلك قول الله تعالى:{وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى}[هود:١٧] أي: من قبل هذا القرآن وقبل محمد صلى الله عليه وسلم كتاب موسى، إذ كان عيسى يحكم بهذه التوراة، فلم يكن له شريعة مستقلة، وهو أحد أولي العزم من الرسل، وهو ممن ابتلاهم الله سبحانه، فحكم بالتوراة، ثم رفعه الله عز وجل إليه، فإذا نزل في آخر الزمان حكم بالقرآن العظيم، فصاحب الشريعة قبل النبي صلى الله عليه وسلم هو موسى عليه الصلاة والسلام، وقد من الله سبحانه وتعالى وتفضل وأعطى النعم لموسى وهارون وأعظم نعمة الله سبحانه عليهما أن جعل موسى رسولاً وجعل هارون نبياً ووزيراً لموسى عليه الصلاة والسلام، قال تعالى:{وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ}[الصافات:١١٤].