[عظمة الله وقربه من عباده]
قال تعالى: {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل:٥٩] قرأ أبو عمرو ويعقوب وعاصم: أما يشركون، على الغيب.
وقرأ باقي القراء على الخطاب: ((أَمَّا تُشْرِكُونَ))، فكأنه يوجه الخطاب للمشركين أن يتفكروا: آلله صاحب النعم العظيمة أحق بالعبادة أم هذه الأصنام التي لا تنفع ولا تضر والتي تعبدونها؟ وهل إله مع الله يفعل ذلك؟! وقد جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد عن رجل من بلهجيم قال: قلت: يا رسول الله! إلام تدعو؟ فهذا رجل كان كعادة الأعراب فيه جفاء، ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان لابساً ثوباً يجره، فقال: (إلام تدعو؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أدعو إلى الله وحده الذي إن مسك ضر فدعوته كشف عنك، والذي إن ضللت بأرض قفر دعوته رد عليك، والذي إن أصابتك سنة فدعوته أنبت عليك).
فبين له من الذي يدعو إليه، أي: أدعو إلى الله صاحب النعم العظيمة الذي أنعم عليك، والذي تدعوه متوسلاً إليه سبحانه حين تقع أو تنزل بك مصيبة من المصائب.
وقوله: (إن مسك ضر فدعوته كشف عنك)، وهو سبحانه يفعل ذلك بالمسلمين والكافرين، فالذي يصاب بالضر من مسلم أو كافر ويجأر إلى الله قائلاً: يا رب! فإن الله عز وجل يعطيه ويفرج عنه بفضله وكرمه سبحانه.
قال: (والذي إن ضللت بأرض قفر دعوته فرد عليك)، أي: إذا ضاع منك جملك، أو ضاعت منك ماشيتك في صحراء فدعوت ربك رد عليك ذلك، فهذا الإله العظيم هو الذي أدعو إليه.
قال: (والذي إن أصابتك سنة)، والمعنى: إن أصابتك سنة شديدة فيها قحط ومجاعة وشدة، فيعبر عن شدة الزمان والوقت بالسنة.
قال: (دعوته أنبت عليك)، أي: إن كان هناك جدب ولا يوجد مطر فدعوت الله أنزل عليك المطر، فأنبت لك فأكلت، فهذا الإله هو الذي أدعو إليه، فسلم الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم، وقال: (قلت: أوصني فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبن أحداً، ولا تزهدن في المعروف ولو أن تلقى أخاك وأنت منبسط إليه وجهك).
فنصحه النبي صلى الله عليه وسلم بألا يشتم أو يسب أحداً، ولا يزهد في معروف، مهما كان هذا المعروف قليلاً؛ لأنه ينفعه يوم القيامة، وأقل المعروف: أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط، يعني: تلقى أخاك وأنت غير مكشر.
قال: (ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي (.
يعني: أن من أقل المعروف: أنه إذا طلب أحد منك قليل ماءٍ فأفرغ له.
قال: (ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، واتزر إلى نصف الساق)؛ وذلك لما رأى أنه يجد إزار على الأرض، فقال له: ارفع إزارك إلى نصف الساق، يعني: ما بين الركبة والكعب وليس كل الناس يفعل ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: (فإن أبيت فإلى الكعبين)، أي: إن لم تحب ذلك ولم ترده فأنزله إلى العظم الذي في آخر الساق، ولا تزد على ذلك.
ثم قال: (وإياك وإسبال الإزار، فإن إسبال الإزار من المخيلة)، أي: إن الإنسان المعجب بنفسه هو الذي يفعل ذلك، حتى وإن قال: إنه لا يفعله خيلاء، يقول: فعلك ذلك دليل على أنك من أهل الخيلاء.
ثم قال: (وإن الله تبارك وتعالى لا يحب المخيلة).