قال الله تعالى:{وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ}[سبأ:٥٤].
قوله:(حيل بينهم) أي: حال بينهم حائل يستحيل أن يتجاوزوه؛ لأن الله قضى أنهم لن يعودوا مرة ثانية إلى هذه الدنيا.
قوله:(وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ) قال: (يشتهون) ولم يقل: يريدون؛ لأن في ذلك الموطن يريدون الشهوة، وأشد أمنية الإنسان أن يشتهي شيئاً، فالواحد منهم يوم القيامة يشتهي أن يرجع إلى الدنيا؛ فيؤمن ويصدق ويصلي لله عز وجل ويوحده، لكن يقول هنا:((وَحِيلَ بَيْنَهُمْ)).
قوله:((وَحِيلَ)) هنا الفعل مبني للمجهول، والجمهور على هذه القراءة ((وَحِيلَ بَيْنَهُمْ)) وقراءة ابن عامر والكسائي ورويس عن يعقوب بإشمام كسر الحاء ضمة؛ لبيان أن الفعل مبني للمجهول، فالله عز وجل يحيل بينهم وبينما يشتهون، لكن الصيغة للمجهول (حيل) وأصلها حويل، أي: بينهم وبينه، وبذلك يقرؤها هؤلاء القراء: ابن عامر والكسائي ورويس عن يعقوب.
قوله:((كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ)) أشياع جمع شيع، والشيع جمع شيعة، وشيعة الإنسان أقاربه ومن يحيطون به، وهنا ليس المقصود بها أقاربهم وإنما أشباههم وأمثالهم الذين تشبه هؤلاء بهم، فقد تشبهوا بقوم نوح بقوم عاد وبقوم ثمود، فهؤلاء أشياعهم وأشباههم في الباطل وفي الكفر، وكما فعل بالسابقين فحيل بينهم وبينما يتمنونه وما يشتهونه من إيمان ودخول في الدين، فهم لما جاءهم الموت تمنوا الرجوع، لكن لا تنفع نفس إيمانها في ذلك الوقت، أي: وقت الغرغرة، فكما حيل بينهم وبين الإيمان حيل بين هؤلاء وبينما يشتهون كما فعل بأشياعهم وأشباههم من قبل؛ لأنهم كانوا في الدنيا في شك مريب وفي شك عظيم، والريب بمعنى الشك، وكأن الكلمة {فِي شَكٍّ مُرِيبٍ}[سبأ:٥٤] يعني في شك عظيم جداً مثل ما تقول: هذا شيء عجيب، أي: غاية في العجب، كذلك هذا شك غاية في الشك والإرابة والبعد عن الحق.