[تفسير قوله تعالى: (إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره)]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ * إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ * وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} [الشورى:٣٢ - ٣٥].
يخبر الله عز وجل عن آياته العظيمة في هذا الكون التي يجب على كل إنسان أن يتأمل فيها وأن يتدبرها وأن يتفكر فيما خلقه الله عز وجل له، وقدرة الله العظيمة على الخلق أن دله وأن خلق له وبين له، فهذه آية من آيات الله عز وجل لا تقدر أنت عليها إلا أن يعينك الله سبحانه وتعالى، فمن آياته هذه السفن الجارية العظيمة الجواري في البحر كالأعلام، وكالجبال وكالقصور العظيمة.
قال الله تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ} [الشورى:٣٣] إذا شاء ربنا سبحانه وتعالى أسكن الريح، فوقفت هذه البواخر وهذه السفن العظيمة تنتظر رحمة الله سبحانه وتعالى، فتركد على ظهره، فإن يشأ الله سبحانه وتعالى يوقفها، ونفهم منه أنها تجري من أول الآية، إذاً: بمشيئة الله هي جارية فإذا شاء أوقفها، أو إن شاء أغرقها وأوبقها وأهلكها وأهلك من فيها.
قال تعالى: {أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:٣٤] فإن يشأ يسكن الريح، وإن يشأ يوبق السفينة ويعف عن كثير سبحانه وتعالى، فالله العظيم سبحانه وتعالى يعفو ويتجاوز عن ذنوب العباد، ويتجاوز عن ذنوب كثيرة لعباده، فهو سبحانه وتعالى يفعل ذلك، فإذا شاء عفا وإذا شاء لم يعف سبحانه وتعالى، وإذا شاء عفا عن كثير من ذنوب العباد وإذا شاء عفا عن الذنوب جميعها، فالله على كل شيء قدير، وإذا شاء سبحانه وتعالى جعل الإنسان مؤمناً فهو داخل تحت عفو الله سبحانه، وإذا شاء الله عز وجل كان العبد كافراً فلم يعف عن شيء سبحانه وتعالى.
فالعفو للمؤمن الذي عرف التوحيد، وأناب إلى ربه وتاب وعرف ربه سبحانه، ولم يشرك به، فهذا تحت مشيئة الله عز وجل، إذا شاء الله عز وجل عفا عنه، وهو يعفو عن كثير من الذنوب بهذا العفو لعله ينجيه يوم القيامة، وإن يشأ يوبقه سبحانه وتعالى، أما إذا كان كافراً فلا عفو، والكافر يحاسب يوم القيامة على كل شيء، فليس بعد الكفر ذنب، وإذا لقي ربه كافراً فالله يسأله عن كل شيء سبحانه وتعالى.
فيقول هؤلاء: لم نكن نصلي؛ لأنهم سئلوا عن ذلك: هل صليتم؟ قالوا: {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ} [المدثر:٤٣ - ٤٦] كانوا كفاراً يكذبون بيوم الدين، ومع ذلك حاسبهم على صلاتهم وحاسبهم على كل ما صنعوا في هذه الدنيا.
وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الكتابي اليهودي أو النصراني لو أسلم فله أجره مرتين، والله عز وجل يعفو عما سبق منه، هذا إذا أسلم وأحسن إسلامه، أو أصلح، أما إذا أسلم ولم يصلح ولم يعمل صالحاً فالله يحاسبه على ذنوبه جميعها، ما فعلها في كفره وما فعلها في إسلامه؛ لأنه لم يصلح، وتنفعه كلمة لا إله إلا الله، ولكن المعاصي يحاسب على الجميع، فشرط على هذا الكافر أنه إذا أسلم أصلح، فإذا أصلح فالله عز وجل يعفو عن الذنوب التي كانت مع الكفر، فإذا لم يصلح عفا عما كان من ردته وكفره، ولكن يؤاخذ بذنوبه من كبائر وغيرها.