يبين الله سبحانه تبارك وتعالى لعباده ما الكفار عليه من ظلم لأنفسهم وضلالة وظلمة وبعد عن الهدى، وما يصيرون إليه يوم القيامة من دخول النار، كما يبين ما عليه المؤمن من نور وإيمان وطاعة لله سبحانه تبارك وتعالى، بضرب هذه الأمثلة للناس فقوله:{وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ * وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ}[فاطر:٢٠ - ٢٢] أمثلة يضربها الله عز وجل لبيان الشيء ونقيضه، حتى يتبين لمن يعقل أن هناك فرقاً بين هذا وذاك، فكل من يبصر يفهم الفرق بينهما, وجملة الأمثلة التي ضربها لنا الله سبحانه تبارك وتعالى مسوقة لبيان أنه لا يستوي الإنسان المؤمن مع الإنسان الكافر؛ لأنه لا يستوي الإيمان مع الكفر، فإذا كان الله سبحانه تبارك وتعالى قد أمر العباد بالطاعة فأطاعه قوم وعصاه آخرون، فهل يستوي مآل الجميع بأن يصيروا تراباً ثم لا بعث ولا نشور، ولا قيام من القبور، ولا حساب يوم القيامة، ولا جنة ولا نار؟ هذا بعيد جداً، إن عقل الإنسان يقول: لا.
لا يستوي أبداً من عمل بالطاعة ومن عمل بالمعصية، لا يستوي من أسلم وآمن ومن كفر وترك دين الله سبحانه تبارك وتعالى، لا يستوون كما أنه لا يستوي الأعمى مع المبصر، لا يستوون كما لا تستوي الظلمة مع النور، ولا الظل مع الحرور، ولا الحي مع الميت، فكل عاقل يفهم ذلك فلا يستوي أبداً المؤمن الذي أطاع الله سبحانه مع الكافر الذي كفر بالله وعصى الله سبحانه تبارك وتعالى, قال سبحانه:{وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ}[فاطر:١٩] والعمى هنا: عمى القلب كأنه يقول: الكافر كهذا الأعمى فهو أعمى عمى ضلالة لا يعرف الحق، وكأنه غشي على بصره فلا يريد أن يفهم أو يتفهم ما جاء به النبي صلوات الله وسلامه عليه، ثم يردف بمثل آخر وهو قوله سبحانه:{وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ}[فاطر:٢٠] إذا وجد الإنسان طريقاً مظلماً فإنه يبتعد عنه وإذا وجد طريقاً منيرا فإنه يسير فيه، فلا يستوي هذا مع ذاك، إذ أن هذا طريق يعرض عنه كل من ينظر ويرى، وهذا طريق يسلكه كل من ينظر ويرى، فالإيمان طريق النور، ومن يعرف الحق فلا تستوي الظلمة مع النور.
ثم قال سبحانه مؤكداً:{وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ}[فاطر:٢١] أي: لا يستوي المكان الظليل مع المكان الشديد الحر تحت وهج الشمس، وكأن في الآية إشارة إلى مصير هؤلاء فالمؤمن مصيره كما قال الله سبحانه:{وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا}[النساء:٥٧] والكافر مصيره إلى نار السموم وإلى عذاب أليم، فهل يستوي هذا مع ذاك فكأن الظل إشارة إلى مآل المؤمن وأنه إلى الظل الظليل في الجنة, وكأن الحرور إشارة إلى النار والسعير؛ لأنها مآل الكافر، فلا تستوي الجنة مع النار والمثال مسوق لبيان عدم استواء الإيمان مع الكفر، ومضرب المثل يقول: لو كنت في الفلاة ووجدت مكاناً فيه شمس حارة ومكاناً آخر ظليلاً، فهل تترك هذا المكان الظليل لتكون تحت الشمس؟ لا شك أنه لا عقل لمن يقول بهذا الشيء، الحرور: تطلق على الرياح الساخنة الشديدة، ويطلق على اليوم الحار شديد الحرارة وجاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(قالت النار: ربي أكل بعضي بعضاً فأذن لي أن أتنفس فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فما وجدتم من برد أو زمهرير؛ فمن نفس جهنم وما وجدتم من حر أو حرور؛ فمن نفس جهنم)، وفي الحديث تذكرة للعباد، وبيان أن أشد يوم يكون على الناس برده؛ فإنه من نفس جهنم، وأن أشد يوم يكون على الناس حره؛ فإنه من نفس النار, وكما أن الحر الشديد لا يستوي مع البرد وكذلك المكان الظليل لا يستوي مع المكان الشديد الحر؛ فكذلك مصير المؤمن لا يستوي مع مصير الكافر.
ثم يتبعه بمثال آخر فيقول:{وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ}[فاطر:٢٢] الأحياء المراد بهم المؤمنون فهم أحياء يفهمون ويفقهون، وحياتهم لها قيمة، فيوم القيامة يجزون عليها أفضل الجزاء على الأعمال الصالحة, أما الكفار؛ فإن حياتهم موت لا قيمة لها، وإنما هي حياة تستجلب عليهم عذاب رب العالمين، لأنهم فيها أنكروا ربهم سبحانه وأنكروا عبادته ولم يتوجهوا إليه بل أشركوا معه غيره، فصدق عليهم أنهم أموات ضيعوا هذه الحياة ولم يستغلوها لتكون لهم الحياة الدائمة عند الله عز وجل في جنة الخلود، ولذلك لا يستوي الأحياء وهم المؤمنون مع الأموات وهم الذين كفروا بالله سبحانه تبارك وتعالى ولم يستمعوا إلى موعظة النبي صلى الله عليه وسلم.