[تفسير قوله تعالى:(أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون)]
قال تعالى:{أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ}[السجدة:٢٦](أولم يهد لهم) أي: أو لم يتبين لهم؟ هلا ساروا في الأرض فنظروا واهتدوا أن الله سبحانه تبارك وتعالى قد أهلك أمماً سابقة كثيرين! ويتبين للناس بالبحث والتنقيب والسير في الأرض كيف أهلك الله عز وجل السابقين، فيقولون: في هذا المكان كان الفراعنة فأهلكهم الله سبحانه، وهذه آثارهم، وفي هذا المكان كانت ديار عاد، وفي هذا المكان كانت ديار ثمود، فهؤلاء صنعوا وفعلوا وفعلوا، وهذه آخر حالهم فقد صاروا جيفاً، صاروا رمماً، وتبدلت أيامهم، وذهبت أحلامهم، وهذا واقعهم أمامنا.
قوله:{أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ}، القرن: الزمن الذي يجمع أمة من الناس، فإذا فنيت هذه الأمة مضى قرن من القرون، وتأتي أمة تليها، مثلما نقول: القرن الذي كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم هو الزمن الذي اجتمع فيه النبي صلى الله عليه وسلم مع قوم رأوه صلى الله عليه وسلم، وعاشوا معه عليه الصلاة والسلام، ثم مات هو صلى الله عليه وسلم ومات أصحابه الذين رأوه، حتى مات آخر من رأى النبي صلى الله عليه وسلم فانتهى هذا القرن.
ثم القرن الذي يليه: قوم لم يروا النبي صلى الله عليه وسلم ورأوا أصحابه عليه الصلاة والسلام، فإذا فني القرن الذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم الذي رأى أصحابه عليه الصلاة والسلام، وقرن من بعدهم لم يلقوا الصحابة ولقوا الذين من بعدهم وهكذا، فهؤلاء قرون كثيرة، والبعض جعل مدة القرن مائة سنة أو دون ذلك، والغرض: أن القرن هو الذي يجمع أمة من الناس عاشوا معاً ثم انتهى آخرهم.
قوله:{يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ}، يمشي اللاحقون في مساكن السابقين، يعني: هذه كانت مساكن هؤلاء الأقوام، فلو كانوا عائشين هل كان أحد منهم يقدر على أن يأخذ مساكنهم؟! ولو كانوا عائشين هل كانوا سيضعونهم في متاحف يتفرجون عليهم؟! هذا فرعون وهذا فلان وهذا فلان لولا أن الله قد أهلكهم وأبادهم لما رأيتموهم، لو كانوا أحياء ما كان أحد يقدر على أن يأخذ منهم ذهبهم وحليهم وينظر إلى أجسادهم، ما كان أحد يقدر على ذلك لولا أن أبادهم الله وأفناهم سبحانه {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ}[السجدة:٢٦] فيها عبرة وتذكرة، {أَفَلا يَسْمَعُونَ}[السجدة:٢٦] أي: هذه الآيات فيعتبرون بذلك، وأن كل من على هذه الدنيا يفنى ويبيد كما أباد الله عز وجل هؤلاء السابقين.