[تفسير قوله تعالى: (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء)]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة العنكبوت: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:٤١].
في هذه الآية من سورة العنكبوت يخبرنا الله سبحانه وتعالى عن الكفار الذين عبدوا الأصنام من دونه سبحانه، وأن مثل هؤلاء في ضعفهم، وضعف عقولهم، وضعف من يلجئون إليه ويدعونه من دون الله سبحانه وتعالى كمثل العنكبوت حين اتخذت بيتاً لا يحميها من أعدائها، وقد يكون بيتاً تعيش فيه وتستخدمه مصيدة لغيرها، أما أنه يحميها من أحد يريد أن يدوس عليها فيقطع ويمزق هذا البيت ويقتل العنكبوت فلا يحميها من ذلك، ولا يحميها من الرياح إذا هاجت وسارت عليها فأطارت البيت بمن فيه.
فكأنه يشير إلى أن هؤلاء الذين يعبدونهم من دون الله سبحانه لا ينفعونهم بشيء، ولا يملكون لهم ضراً ولا نفعاً ولا لأنفسهم كمثل بيت العنكبوت في وهنه وضعفه.
قال تعالى: (اتخذت بيتاً) وهذا البيت لا يحميها من أعدائها، وإذا جاءت الرياح أطارت البيت وضيعته، وإذا داس عليها إنسان أو حيوان لا تقدر أن تدفع ولا يدفع بيتها عنها، فكذلك هذه الأصنام وهذه الآلهة التي تعبد من دون الله، لا تملك لأصحابها لا نصراً ولا ولاية ولا تملك لهم ضراً ولا نفعاً ولا شيئاً.
قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ} [العنكبوت:٤١] الولي: هو النصير، والولي هو الذي يحمي الإنسان ويدافع عنه، ويكون متولياً لأمره، فلا يعقل أبداً أن هذه الأصنام والتماثيل تتولى أمور هؤلاء القوم وتدبر لهم كونهم وأمورهم، فمثلهم كمثل هذه العنكبوت (اتَّخَذَتْ) يعني: العنكبوت (اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ) أوهن: أضعف من الضعف، قال تعالى عن زكريا عليه السلام: {إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [مريم:٤] أي: صار عظمي ضعيفاً لا يحملني، فالإنسان الواهن: هو الإنسان الضعيف، به وهن أي: به ضعف.
فاتخذت هذه العنكبوت بيتاً، وأوهن وأضعف البيوت هو بيت العنكبوت.
وفي قوله تعالى: (البيوت) قراءتان: قراءة بالضم وهي قراءة ورش، وأبي عمرو، وحفص.
وقراءة أبي جعفر ويعقوب، وباقي القراء بكسر الباء: (وإن أوهن البِيوت).
قال تعالى: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:٤١] أي: لو كانوا يعلمون أن هذه الأشياء التي عبدوها من دون الله كبيت العنكبوت ولو أنهم تدبروا في ذلك لعلموا أنها لا تنفعهم شيئاً ولا تملك لهم حيلة ولا تملك لهم رزقاً فابتعدوا عنها ولم يعبدوها من دون الله سبحانه وتعالى.