للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء)]

قال الله عز وجل: {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف:٦]، قوله: ((وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ)) أي: إذا جمع الناس ليوم الحشر كانت هذه الآلهة أعداء لهؤلاء، فيجعل الله فيها أفهاماً وعقولاً وألسنة تنطق وتكذب هؤلاء الذين كانوا يعبدونها من دون الله وتتبرأ منهم، وكذلك كل من عُبِد من دون الله سبحانه وتعالى، حتى وإن أراد هذه العبادة إنسان، وجعل نفسه على الناس ملكاً وزعم لهم أنه إله كما ادعى فرعون وقال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:٢٤]، فإذا جاء يوم القيامة هؤلاء مع أتباعهم، قال تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا} [البقرة:١٦٦ - ١٦٧]، إذاً: في يوم القيامة المتبوعون يتبرءون من أتباعهم، والكبراء يتبرءون من الصغار الذين مشوا وساروا وراءهم وطلبوا نوالهم في الدنيا، فإذا بهم يوم القيامة يتبرءون منهم ويقولون لهؤلاء: تبرأنا منكم، كذلك الشيطان، قال الله تعالى عنه: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم:٢٢] أي: لا أريدكم ولا أغيثكم، ولا أنا أجيركم ولا أنتم تجيرونني {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم:٢٢]، كنتم تعبدونني من دون الله وأنا كافر بهذه العبادة {إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [إبراهيم:٢٢].

فهذا الشيطان الذي خدع الإنسان في الدنيا يتبرأ من الإنسان يوم القيامة، ويقول: أنا كافر بعبادتك لي، فالشيطان يقول ذلك للإنسان، والإنسان يعبد الشيطان في الدنيا مع تحذير الله عز وجل للعباد من الشيطان، قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:٦]، وقال الله سبحانه: ((وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا))، هذه الآلهة وهذه الشياطين ((لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) والشيطان يقول: ((إِنِّي كَفَرْتُ)) أي: بهذه العبادة.

وكذلك كل الآلهة حين ينطقون يقولون: كفرنا بهذه العبادة التي عبدتمونا بها، أي: جحدنا وأنكرنا ذلك فلا نستحق نحن العبادة، فأنتم الذين عبدتمونا ونحن نبرأ من هذه العبادة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>