[تفسير قوله تعالى: (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات)]
قال الله عز وجل: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ} [الأحزاب:٣٥] إلى آخر ما ذكر الله سبحانه وتعالى، وذكر أنه أعد لهم مغفرة وأجراً عظيماً.
روى الإمام الترمذي من حديث أم عمارة الأنصارية أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (ما أرى كل شيء إلا للرجال) يعني: تقصد أن الآيات التي تنزل في القرآن: أن الله أعد للمؤمنين المغفرة والأجر العظيم، فيذكر المؤمنين بصيغة جمع المذكر السالم، ويذكر المسلمين ويذكر المحسنين، وكل شيء مذكور فيها بجمع المذكر السالم، فيقصد به الرجال، والنساء لم يذكرن؟ لكن في اللغة العربية إذا اشترك الرجال والنساء في شيء، فالخطاب يكون للرجال، ويدخل معهم النساء، لكن إذا كان الخطاب للنساء فلا يدخل معهن رجل واحد، فهنا إذا اجتمع مجموعة من النساء ومعهم رجل واحد، وأردت أن توجه الخطاب يكون الخطاب بصيغة جمع المذكر، فإذا كن كلهن نساءً فالخطاب بصيغة جمع المؤنث.
فإذا خوطب النساء وحدهن يكون الخطاب بصيغة المؤنث، وإذا ذكر الرجال وحدهم يكون بصيغة المذكر، وإذا ذكر الرجال والنساء أو رجل ومجموعة من النساء يكون الخطاب بصيغة المذكر.
فهذه المرأة الأنصارية قالت: (وما أرى النساء يذكرن بشيء) فنزلت هذه الآية: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب:٣٥]، وهذا حديث صحيح رواه الإمام الترمذي رحمه الله.
ذكر الله عز وجل عشر صفات في هذه الآية، أول هذه الصفات قال: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ} [الأحزاب:٣٥] وحتى قوله سبحانه: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب:٣٥].
فالإسلام هو الأصل هنا، والإسلام دين رب العالمين سبحانه، وهو عبادات ظاهرة وباطنة، فإذا ذكر الإيمان فالمقصد ما هو أعظم وأعلى درجة، وإذا جاء الإسلام وحده، وتكلم عن الإسلام يدخل فيه الإيمان ويدخل فيه خصائص الإسلام والإيمان والإسلام والإحسان، وإذا ذكر الإيمان وحده كان كذلك، وإذا ذكر الإحسان كان كذلك، لكن إذا جمع الجميع فهي مراتب بعضها فوق بعض.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل عن الإسلام قال: (الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت) أي: العبادات الظاهرة.
قال: (قال: صدقت، فما الإيمان؟ قال: الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، قال: صدقت).
فلما اجتمع الإيمان والإسلام كان الإسلام العبادات الظاهرة، والإيمان ما كان في قلب الإنسان، فإذا قال: المسلم، فيقصد به من جمع كل شيء في الإسلام، وإذا قال: المؤمن، فيقصد به من جمع كل شيء في الإسلام، كما يقولون: إذا اجتمعا انفردا وإذا انفردا اجتمعا، فعلى ذلك الإسلام يدخل فيه الدين كله، والإيمان كذلك، وإذا اجتمع الاثنان يكون المقصود بالإسلام الأعمال الظاهرة، وبالإيمان الأعمال الباطنة، والأعلى من ذلك الإحسان، قال: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك).
فهنا بدأ بما يشترك فيه الجميع: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب:٣٥]، فلهن كما للرجال من المغفرة والأجر العظيم عند الله سبحانه وتعالى.
قال تعالى: {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ} [الأحزاب:٣٥]، القنوت: الخضوع والإذعان والذل لله سبحانه والخشوع والطاعة، وكل إنسان قانت لله سبحانه خاشع، ومطيع لله، وقائم في الصلاة لله سبحانه وتعالى، ومقبل على الله سبحانه لا يلتفت عنه.
قال تعالى: {وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ} [الأحزاب:٣٥]، أي: صدقوا في سرهم وصدقوا في جهرهم، يتكلم فيصدق، ويعاهد ربه سبحانه فيصدقه، ويعد فيفي، ويبايع فيصدق في بيعته، فالمؤمن صادق؛ لأنه يخاف الله سبحانه، والله أمر المؤمنين فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:١١٩]، فالزم الصادقين تتعلم منهم الصدق، وتتعلم منهم الوفاء، وتكن معهم في الدنيا؛ فتحشر معهم يوم القيامة، قال تعالى: {صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} [الأحزاب:٢٣]، أي: صدقوا في كلامهم وحديثهم.
قال الله تعالى: {وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ} [الأحزاب:٣٥]، والصبر على ثلاثة أشياء: يصبر الإنسان على طاعة الله، فيلتزم ما أمر الله عز وجل به ويفعله، فيصبر على الطاعة.
ويصبر الإنسان عن المعصية: ينهاه الله، لا تقع في الفواحش، لا تقع في الزنا، لا تسرق، لا تزن، فيستجيب لله مهما وجد أمامه من مغريات.
فالمؤمن صابر على طاعة الله، صابر عن المعصية، إذا رأى شيئاً حراماً غض بصره وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر مهما كانت الفتن داعية للإنسان، ومهما كان الشيطان يحركه ويدفعه إلى الخطأ، فالمؤمن يخاف من الله ويصبر على طاعة الله، ويصبر نفسه كما قال الله: {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:٢٠٠].
إذاً: صبر على الطاعة، صبر عن المعصية.
كذلك يصبر على قضاء الله وقدره: فالمؤمن يصبر على البلاء، قال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:٢] فالله يفتن المؤمن، ويختبره بشيء من البلاء ويذيقه، قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:١٥٦]، تنزل به المصيبة فلا يلطم خده، ولا يشق ثيابه ويحلق شعره، ولكنه يصبر ويتصبر ويقول: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:١٥٦]، فهو يفوض الأمر لله ويتسلى بذلك.
ويقول: (إنا لله) أخذ مني مالي وسيأخذني، والمال مال لله، وأنا عبد لله سبحانه، فأنا لله وأنا راجع إليه، فهو يذكر نفسه، فالمؤمن يتصبر بذلك ويقول: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:١٥٦]، فيأتي الجزاء العاجل من الله سبحانه، قال تعالى: {أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:١٥٧]، فالله يصلي عليهم ويرحمهم، ويثني عليهم سبحانه وتعالى ويمدحهم، ويجعلهم من الفائزين عنده، وأولئك هم المفلحون عند الله سبحانه وأهل التقوى.
فالصدق مع الله سبحانه والصبر على قضاء الله وقدره وعلى أوامره وعلى نواهيه، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.