يذكر الله سبحانه في هذه الآيات رحمته العظيمة الواسعة التي وسعت كل شيء، قال سبحانه:((قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ)) أي: لا تيئسوا من رحمة الله، فالقنوط بمعنى: اليأس، والذي ينبغي على المسلم وهو يعيش في هذه الدنيا أن يرجو رحمة الله سبحانه، ويعلم أنه لا يدخل الجنة إلا بفضل الله وبرحمته سبحانه, ورحمته وسعت كل شيء, فلا ييئس من رحمة الله ومن روحه وكرمه سبحانه تبارك وتعالى, بل لا بد أن يلجأ ويتوب إليه سبحانه من كل الذنوب، فإنه يغفر الذنوب جميعاً, ومعلوم أن الذي يغفر الذنوب ويؤاخذ بها ويعاقب عليها، وأن الذي يملك أن يدخل عباده الجنة هو الذي يملك أن يعذبهم في النار سبحانه، فلذلك ينبغي على العبد أن يتوب إلى الله سبحانه وأن يكون بين الخوف والرجاء, بين حب الله والذل بين يديه سبحانه، بين الأمل أن يدخله جنته والخوف أن يمكر به ويدخله ناره.
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ}[الزمر:٥٣] أي: تجاوزوا حدهم ووقعوا في الذنوب وأسرفوا فيها، {لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}[الزمر:٥٣] أي إن الله لا يتعاظمه ذنب أن يغفره, فمهما أذنب العبد ثم تاب إلى الله فإن الله يتوب عليه حتى من الكفر ومن الشرك به سبحانه تبارك وتعالى, أما إذا مات العبد على الشرك فـ {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}[النساء:٤٨]، بل مهما عمل من أعمال ظنها صالحة ومات على الكفر بالله أو مات على الشرك بالله ولم يأت بأصل الإيمان والتوحيد ولم يأت بلا إله إلا الله فإن عمله لا ينفعه كائناً ما يكون هذا العمل، قال تعالى:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}[الفرقان:٢٣] والخطاب في الآية للكفار والمشركين، أما المؤمن الذي وحد ربه سبحانه ولم يقع في الشرك ومات على الإيمان والإسلام والتوحيد فإنه حتى لو وقع في كبائر الذنوب فيرجى له رحمة الله سبحانه تبارك وتعالى؛ لأنه يغفر الذنوب جميعاً وهو الغفور الرحيم.