[معنى أمر الله لنبيه بأن يدع أذى الكفار والمنافقين]
{وَدَعْ أَذَاهُمْ} [الأحزاب:٤٨] فهم عندما يطلبون منه شيئاً فيرفض أن يجيبهم يؤذونه صلى الله عليه وسلم بالقول، ويؤذونه بالفعل عليه الصلاة والسلام، فهم قاعدون للأذى فقط، فيقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: دعك من هذا الذي يفعلونه معك، وأعرض عن هؤلاء، ودع أذاهم حتى يؤذن لك من الله سبحانه وتعالى، فأذن له صلوات الله وسلامه عليه في أمر الكفار أن يقاتلهم.
إذاً: هنا دع هؤلاء واصبر عليهم قليلاً حتى يأتي أمر الله، فجاء أمر الله عز وجل في الكفار، قال الله عز وجل: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة:٥].
فبعدما أنزل الله عز وجل سورة براءة أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ الكفار وأن يجاهدهم في الله تبارك وتعالى.
فإذا كان أذى هؤلاء أنهم يسألون النبي صلى الله عليه وسلم، ويلحون في السؤال ليتعلموا لعلهم يدخلون في الدين، فهنا يلزمه أن يصبر صلوات الله وسلامه عليه؛ حتى يدلهم على الحق، وحتى يدخلوا في الدين، وقد جاء في في سورة براءة نفسها وهي من آخر ما نزل من القرآن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بجهاد الكفار صلوات الله وسلامه عليه، وأيضاً أمره فقال: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة:٦].
إذاً: أمر صلى الله عليه وسلم بقتال المشركين كافة، وأن يبدأهم بالغزو عليه الصلاة والسلام، ولكن مع ذلك لو أن أحداً من هؤلاء الكفار كان في جبهة المحاربين لك ثم طلب أن يسمع الدين وقال: أريد أن آتي لكم وأسمع ما الذي تقولونه في هذا الدين، فالله عز وجل لكرمه سبحانه يقول: أسمعه، بلغه هذا الدين: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة:٦] فهو طلب الجوار، وقال: سنأتي نجاورك ونسمع منك فأجرني ولا تؤذني بشيء حتى أسمع هذا الدين، فقد أدخل في الدين وقد لا أدخل! فهنا قال الله سبحانه: {فَأَجِرْهُ} [التوبة:٦] إلى متى؟ {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:٦] إلى أن يأتي عندك ولا أحد يتعرض له بشيء، فإذا جاء وسمع فلا تقول: ادخل في الإسلام لأنك سمعت وإلا نقتلك! ولكن بلغه دين الله سبحانه، {ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة:٦] كما جاء آمناً في القوم فارجعه إليهم على حاله التي كان عليها قبل ذلك.
هذا الدين العظيم من الله سبحانه فيه الأمن والأمان والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، حتى ولو كان في ساعة الجهاد في سبيل الله سبحانه، والكفار في مكان والمسلمون في مكان، وجاء أحد الكفار يريد أن يسمع هذا الدين، فأجره إلى أن يأتي إليك، وأسمعه كلام الله سبحانه إلى أن يعقل ويفهم، ثم أرجعه مرة أخرى إلى قومه آمناً، وإذا أراد أن يدخل في هذا الدين فليفعل.
فهنا ربنا تبارك وتعالى يأمر نبيه البشير النذير، الداعي إلى الله بإذنه والسراج المنير، بأن يبشر المؤمنين ويبلغهم بأن لهم من الله الفضل الكبير.
قال: {وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ} [الأحزاب:٤٨].
أي: لا تنشغل بما يؤذونك به، ولا تنشغل بالمعاقبة عن الأمر الذي أرسلت لأجله، ولأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس.