[ما صد به اليهود المشركين عن اتباع دعوة الحق]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين: قال الله عز وجل في سورة القصص: {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} [القصص:٤٩ - ٥٣].
لما أخبر الله سبحانه تبارك وتعالى في سورة القصص عن الكفار من المشركين وأهل الكتاب الذين جاءهم الحق من عند الله سبحانه وتعالى: {قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى} [القصص:٤٨] أي: أن اليهود قالوا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولقنوا المشركين أن يقولوا: {لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى} [القصص:٤٨].
قال الله عز وجل: {أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ} [القصص:٤٨] أي: هؤلاء اليهود الذين يلقنون المشركين أن يقولوا ذلك.
فقد كان المشركون يذهبون إلى اليهود يسألونهم: ماذا نفعل مع هذا الرجل؟ وهل هذا الرجل على حق أم لا؟ وهل نحن أهدى سبيلاً أم هو؟ فكان اليهود كعادتهم في الكذب يقولون لكفار العرب: أنتم أهدى منه سبيلاً، مع أن المفترض أن اليهود يعرفون التوحيد، ويعرفون أن هؤلاء المشركين عباد أوثان، وأن عبادتهم باطلة، ومع ذلك يقولون: {هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} [النساء:٥١]، فيكذبون في أمر العقيدة الذي يعرفونه، ويلقنون المشركين أن يطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بآية مثلما جاء موسى بآية، فقد جاءنا باليد، وبالعصا التي صارت حية، وجاء بتسع آيات بينات، فاطلبوا مثل هذه الآيات من النبي صلى الله عليه وسلم يأتيكم بها إن كان نبياً حقاً، فطلب المشركون من النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فقال الله عز وجل عن هؤلاء اليهود الذين طلبوا من المشركين هذا الطلب: {أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ} [القصص:٤٨]، أي: أن اليهود قد كانوا صدقوا بهذه الآيات ورأوها أمامهم، لكنهم كفروا وعبدوا العجل من دون الله سبحانه، قال الله عز وجل: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة:٣٠]، فلم تنفعهم هذه الآيات التي جاءت من عند الله سبحانه ليستمروا على التوحيد، ويستقروا على أمر عبادة رب العالمين سبحانه.
قال الله عز وجل: {أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا} [القصص:٤٨] أي: أن أول ما جاء موسى اعتقدت اليهود أن ما جاء به موسى سحر، أو قالوا ذلك، أو أنهم كفروا بعد ذلك بموسى، حتى أمرهم الله سبحانه تبارك وتعالى أن يقتل بعضهم بعضاً.
فاليهود قالوا: {سِحْرَانِ تَظَاهَرَا} [القصص:٤٨]، وكذلك المشركون قالوا: سحران تظاهرا أو ساحران تظاهرا، فالمشركون يقصدون بذلك موسى ومحمداً صلوات الله وسلامه عليه، واليهود كأنما يقصدون ما نزل قبل محمد صلوات الله وسلامه عليه، وهو ما جاء به المسيح على نبينا وعليه الصلاة والسلام.
فالمعنى أنه ساحر: {قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا} [القصص:٤٨] أو أن محمداً والمسيح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ساحران، فقال الله سبحانه: {أَوَلَمْ يَكْفُرُوا} [القصص:٤٨] أي: المشركون واليهود وأهل الكتاب، فإنهم قد كفروا بما جاء من عند الله عز وجل قبل ذلك.
قال الله تعالى: {وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ} [القصص:٤٨]، أي: المشركون قالوا: إنهم كافرون بما جاء به موسى وبما جاء به محمد صلوات الله وسلامه عليه.
قال الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم: {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [القصص:٤٩]، وهذا تحد من الله سبحانه وتعالى لهؤلاء، المعنى: إن كنتم صادقين فهاتوا كتاباً من عند رب العالمين يخبر بصدق ما تقولون، ولن يقدروا على ذلك.
قال سبحانه: {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا} [القصص:٤٩] أي: أهدى من القرآن ومن التوراة: {أَتَّبِعْهُ} [القصص:٤٩] أي: هاتوا كتاباً من عند الله يصدق ما تقولون وأنا أتبعه: {إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [القصص:٤٩].