[تفسير قوله تعالى:(ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب)]
قال الله تعالى:{وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ}[سبأ:٥١].
(ولو ترى) هنا الصيغة صغية تعظيم لهذا الشيء، يعني: لو ترى هذا الشيء العظيم الذي نكلمك ونحدثك عنه، ((وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا)) يعني: لو ترى إذ فزعوا حين جاءت القيامة من عند الله سبحانه، وحين جاء الموت على هؤلاء فأفزعهم الله سبحانه وتعالى، وما استطاعوا هرباً ولا فكاكاً.
قوله:((فَلا فَوْتَ)) أي: لا يفوتوننا ولا يهربون منا ولا يعجزوننا، فأين يذهبون من الله وهو أقرب إليهم من حبل الوريد؟ فلا يفوتون الله سبحانه؛ لأنه مستحيل أن يفلت أحد من قضاء الله وقدره، ويفلت من عقوبة الله سبحانه ومن الموت الذي ينزل، بله من حضور القيامة بين يدي الله عز وجل.
والفزع الكثير، يكون عند الموت، فالإنسان الكافر يرى مالم يكن في حسبانه فيفزع، وإذا دخل قبره فزع وقد جاءت الملائكة تسأله: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: لا أدري ولا يعرف النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كذب به عليه الصلاة والسلام، وإذا قاموا من قبورهم في صيحة البعث والنشور يقومون مفزوعين يقولون:{يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ}[يس:٥٢] وإذا قاموا في الموقف العظيم وقيل: ادخلوا النار، فزعوا وطلبوا العود والتوبة.
وقوله تعالى:((فَلا فوت)) أي: لا يفوتوننا أبداً، وهنا يقرؤها حمزة بالمد:((فَلا فَوْتَ)) ويتوسط في المد فيها في قراءة له، كأن هذا تأكيد النفي، فيمدها كما يمد قوله تعالى:{ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ}[البقرة:٢] وإن كان العادة في المد أنه يستقبل بهمزة أو بساكن، ولكن هنا لـ حمزة قاعدة في ذلك وهي: أنه إذا كان يريد تأكيد النفي مد الألف فيها أو مد حرف المد فيها، فيقرأ:((وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلآ فوت))، يعني: مستحيل أن يفوتوا من الله سبحانه وتعالى، و (ترى) يميلها.
قال سبحانه:((وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ)) أي: كل مكان في هذا الكون قريب من الله عز وجل، فالله عز وجل يأمر كوناً فيكون بأمره سبحانه، وكل أفعاله تصيب من يريد سبحانه وتعالى، ولا يفلت أحد فما هو آت من عند الله فهو قريب، وعباده لا يعجزونه ولا يهربون منه فهو أقرب إليهم من حبل وريدهم.