[تفسير قوله تعالى: (هم وأزواجهم في ظلال)]
قال تعالى: {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ} [يس:٥٦]: كل إنسان مع زوجاته في الجنة، له من الحور العين ما شاء الله تبارك وتعالى، كذلك زوجته التي كانت معه في الدنيا تكون من أجمل ما يكون في الجنة، فها هو وزوجه إذا دخلت معه الجنة كانوا منعمين.
{فِي ظِلالٍ} [يس:٥٦]، جمع ظل، هذه قراءة الجمهور.
وقراءة حمزة والكسائي وخلف: {فِي ظلل} [يس:٥٦] جمع ظلة، والظلة: الشيء الذي يجعل فوق رأس الإنسان، والجنة ليس فيها شمس تحرق أهلها، ولكن فيها نعيم الزينة فيزين لأهل الجنة مثلما تجد في الأفراح يعمل للعروسة شيء فوق رأسها، ليس لأنه يوجد مطر، وإنما زينة للعرس، وزينة أهل الجنة أعظم من ذلك بكثير، شبهوا بالعروس في الدنيا؛ لأن العروس في الدنيا تتزين لزوجها، فهؤلاء في الجنة زينت لهم الجنة على ما نسمع هنا.
يقول سبحانه: {عَلَى الأَرَائِكِ} [يس:٥٦]، الأرائك: جمع أريكة، وهو: الكرسي الكبير المتسع، أو العرش الذي يجلس عليه الملك، أو السرر في الحجال، يقول المفسرون: الأرائك: السرر في الحجال، والحجال: جمع حجلة، والحجلة: البيت الذي يصنع من قماش للعروس لتجلس فيه، مثلما يقولون الآن بألفاظهم: الكوشة، وهي قبة معمول لها زينة من فوقها ومن تحتها وفيها كرسي تجلس عليه العروس، فأهل الجنة في هذه الحجال.
{عَلَى الأَرَائِكِ} [يس:٥٦] بيوت عظيمة جميلة مزينة لأهلها.
((مُتَّكِئُونَ)) هذه قراءة الجمهور، وقراءة أبي جعفر: ((متكون)).
يتكئ الإنسان أي: يجلس مسنداً ظهره ويده.
في الدنيا لا يجلس المؤمن متكئاً وهو يأكل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني لا أجلس متكئاً) الإنسان المرفه يجلس متكئاً على اليمين أو الشمال يأكل، أما الجائع فهو مقبل على الطعام حامد لله سبحانه، شاكر له، جالس جلسة المتخشع، لكن الإنسان البطر الذي عنده الأكل كثير يجلس هذه الجلسة، وهو في الدنيا ممنوع منها، ولكن في الجنة اجلس كما شئت، اتكئ كما شئت، فالآن وقت الجزاء ووقت الثواب ووقت السرور والفرح فاجلس كما شئت.
{لَهُمْ فِيهَا} [يس:٥٧] وهم في هذه الجلسة في هذه الخميلة الجميلة متكئون {لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ} [يس:٥٧] فاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة، ليس محتاجاً إلى قطع الثمار من الأشجار ولكن يطلب ما يشاء وهو يأتيه، وإذا قطع الثمار من أشجار الجنة نبت مكانه غيره، فثمار الشجرة لا تنتهي، نعيم مقيم لا مقطوع ولا ممنوع، كل مما شئت في الجنة، شيء عظيم وفضل كريم من الله تبارك وتعالى، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهل فضله ورحمته.
{لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} [يس:٥٧]، ما يدعي الإنسان، بمعنى: ما يطلب، ما يسأل، ما يتمنى وما يشتهي، لهم كل ما يدعون، فيطلبون الشيء مهما عظم، فيعطيهم الله ما شاء من فضله ومن رحمته سبحانه وتعالى.
{سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس:٥٨].
أعظم ما يكون لهم في الجنة أن يسلم عليهم الرب سبحانه وتعالى، الرب الرحيم، أليس قال لنا: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:١٢٨]؟ وقال: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب:٤٣]؟ النبي صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رءوف رحيم، والله كان بالمؤمنين رحيماً يرحمهم سبحانه في الجنة ويعطيهم من فضله ومن رحمته ما يشاءون، وانظر هذا الحديث الذي رواه مسلم عن صهيب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة، وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل) هذا أعظم ما يؤتاه أهل الجنة، لذة النظر إلى وجه الرب تبارك وتعالى، قال: (وتلا النبي صلى الله عليه وسلم: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:٢٦]) يعطيهم ربهم الحسنى، ويزيد على ذلك أن ينظروا إلى وجهه سبحانه وتعالى.
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا منهم ومعهم، وأن يرينا وجهه الكريم سبحانه في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، ونسأله أن يزيننا بزينة الإيمان، ويجعلنا هداة مهتدين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.