والصبر يكون عندما تنزل بالإنسان مصيبة كالموت فليس له سبيل إلا أن يصبر ويعتصر قلبه ألماً ويصبر على أمر الله، فقد بكى النبي صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم وقال:(إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون)، فقد حزن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يتكلم إلا بالحق صلوات الله وسلامه عليه، وقد كسفت الشمس في يوم موته، فقالوا: كسفت الشمس لموت إبراهيم، وكان هذا قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأشهر يسيرة، فابتلى الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بوفاة ابنه قبل موته عليه الصلاة والسلام؛ ليكون صبره على وفاة جميع أبنائه، ما عدا فاطمة فإنها توفيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر؛ لتكون سيدة نساء الجنة مع أمها خديجة ومع مريم ومع آسية رضي الله عنهن.
فالنبي صلى الله عليه وسلم يبتليه الله عز وجل، بموت أولاده وبناته صلوات الله وسلامه عليه في حياته، ويصبر صلى الله عليه وسلم على كل ذلك، وهل علم مثل هذا الصبر؟ فإنه في يوم بدر تموت ابنته صلوات الله وسلامه عليه امرأة عثمان، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم مع المؤمنين في قتال حتى ينصر الله المؤمنين، والمؤمنون في فرح عظيم، فلا يحب أن يكدر عليهم فرحهم فيفرح معهم صلى الله عليه وسلم، فيريهم الفرح وهو يكتم حزنه صلوات الله وسلامه عليه، وهو أشرف الخلق، وأرحم الخلق بالمؤمنين صلى الله عليه وسلم، وعلى الرغم من وفاة ابنته إلا أنه يظهر أمام المسلمين الفرح بنصر الله عز وجل وهو يبطن الحزن على ابنته، وهذا صبر عظيم.
ويبتليه الله عز وجل بموت ابنه الصغير، وكان يحبه حباً شديداً، ولكنه صلى الله عليه وسلم يقول:(وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزنون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا) ويدفن ابنه فيرجع وإذا بالمؤمنين يتكلمون فيقولون: كسفت الشمس لموت إبراهيم، فالشمس حزينة على موته، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يتناسى حزنه صلى الله عليه وسلم ويقول:(إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة) انظروا إلى يقين النبي صلى الله عليه وسلم العظيم وصبره العظيم؛ فقد مات ابنه ومع ذلك لا يترك أن ينصح الناس، ويبين لهم أن الشمس لم تنكسف لموت إبراهيم، فهي آية من آيات الله، وإذا كان الأمر كذلك فافزعوا إلى الصلاة، فيصلي بهم صلاة الكسوف صلوات الله وسلامه عليه.
وبهذا استشعر النبي صلى الله عليه وسلم عظمة الصلاة، فقال:(وجعلت قرة عيني في الصلاة) وكان يقول لـ بلال إذا حزبه أمر: (أرحنا بها يا بلال!) أي: بالصلاة.
هذه الصلاة العظيمة التي أمرنا الله عز وجل وأمرنا بها النبي صلوات الله وسلامه عليه في سنته، وأمرنا بأن نعجل هذه الصلاة وأن نستقيم بها وأن نصلي صلاة تقرب إلى الله سبحانه وتعالى، فالوضوء شرط في صحة الصلاة، والشرط هو شيء خارج عن العمل، أما أركانها فهي: تكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والقيام في الصلاة، والركوع، والسجود والركن يكون متعلقاً بالعمل وجزءاً منه، وأيُّما امرئ صلى بدون وضوء فلا تصح صلاته، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن) وهو جزء من حديث الاستقامة: (استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن)، فتحافظ على الوضوء لأنك تحب الصلاة، فتصلي الصلاة التي كتبها الله عز وجل وافترضها عليك، وتحافظ على الوضوء، والمحافظة على الوضوء شيء عظيم جداً، فالنبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه دخل الجنة ورأى بلالاً المؤذن، وبلال كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان حاملاً نفقة النبي صلوات الله وسلامه عليه، فقال له:(إني سمعت خشخشة نعليك أمامي في الجنة) فهو في الدنيا بجوار النبي صلى الله عليه وسلم وأمامه في قضاء الحاجات وكذلك في الجنة؛ فهو خادم النبي صلى الله عليه وسلم، قال:(فأخبرني ما تصنع؟ قال: ما توضأت وضوءاً إلا وصليت بعده ما كتب لي) فالرجل يصلي ركعتين بهذا الوضوء، وليس الوضوء للفريضة؛ فإن كل الناس يفعلون ذلك، ولكن زاد بلال عليهم في أنه ما توضأ في أي وقت إلا وصلى خلفه ركعتين.
فالوضوء لا يحافظ عليه إلا مؤمن، فالمؤمن يحب الوضوء، يحب أن يجلس طاهراً متوضئاً، والمؤمن في باله أن يكون دائماً على وضوء.
فالوضوء نور للإنسان، والوضوء يجلب الوقار للإنسان، والوضوء نور المؤمن يوم القيامة، حتى لو دخل إنسان من الموحدين النار سبقت معصيته وسيئاته واستحق النار، فإن النار تأكل من بني آدم كل شيء إلا مواضع الوضوء؛ لأنه لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن، فالمؤمن يتوضأ فيصلي، ويجلس لطلب العلم وهو على وضوء، ولا يكون في مجلس إلا وهو على وضوء؛ لأنه علم أن من انتظر الصلاة وهو على وضوء فهو في صلاة، فإذا كنت جالساً من العصر إلى المغرب تنتظر صلاة المغرب فأنت في صلاة.