للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب)]

قال تعالى: {وَمَا كُنتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ} [القصص:٨٦].

فهو ما كان يرجو ذلك، ولا خطر على باله عليه الصلاة والسلام أنه سيكون رسولاً، ولكن غيره تمنوا هذا الشيء، فعرفوا أنه سيبعث في هذا الزمان رسول -ويعرف ذلك اليهود- فإذا بهم يتمنون لقاءه وينتظرون بعثته، وبعضهم يلقب نفسه بالراهب، ويذهب ليتعبد من أجل أن تنزل عليه الرسالة، ولكن الرسالة ليست كسباً من الإنسان، وإنما هي وهب من الله سبحانه تبارك وتعالى، فقال له: {وَمَا كُنتَ تَرْجُوا} [القصص:٨٦]، أنت لم تكن في يوم من الأيام يخطر على بالك أن تكون رسولاً، إنما الذي كان على باله صلى الله عليه وسلم أن يعبد الله، فكان يتوجه إلى غار حراء في الليالي ذوات العدد يتحنث، ويتعبد لله عز وجل في هذا الغار، حتى جاءه الوحي فجأة وبغتة من غير أن يكون على باله.

قال تعالى: {وَمَا كُنتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ} [القصص:٨٦] كأنه يأتي من بعيد، أي: من السماء من عند رب العالمين، فتتلقاه أنت، فقال: {يُلْقَى إِلَيْكَ} [القصص:٨٦]، ولم يقل: عليك، وإنما قال إليك، وفرق بين أن (يلقى عليك)، وأن (يلقى إليك)، فيلقى عليك فيكون صعباً عليك تلقيه، ولكن (يلقى إليك) كأنه يعطى إليك بهدوء، فتأخذه وتتلقاه مرحباً وحافظاً له، ومقيماً له، ومحباً له، ولست مع هذا الإلقاء معرضاً، أو لا يكون إلقاءً عنيفاً، وإنما يكون لطيفاً عليك.

قال سبحانه: {إِلَّا رَحْمَةً} [القصص:٨٦] فهذا يناسب قوله سبحانه: {يُلْقَى إِلَيْكَ} [القصص:٨٦]، فلو قال: (عليك) فإنه لا يناسب الرحمة، وإنما يقول هنا: {يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً} [القصص:٨٦] يعني: ولكن كان رحمة من ربك أن نزله عليك فألقاه إليك.

{فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا} [القصص:٨٦] أي: معيناً {لِلْكَافِرِينَ} [القصص:٨٦]، فنهاه، وحاشا له أن يكون معيناً للكافرين، ولكن هذا خطاب له ولأمته بالتبع: لا تعاونوا الكافرين في كفرهم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>