[إنذار النبي صلى الله عليه وسلم للناس]
يقول ربنا سبحانه: (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا)، هو هنا نذير، وأخبر في غير هذه الآية أنه بشير وأنه نذير، كما قال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر:٢٤].
إذاً: النذير من النذارة، وينذر: يخوف ويهدد بعذاب الله عز وجل من يكفر بالله ويشرك به سبحانه.
قال تعالى: (وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ)، أي: تنذر يوم القيامة، فتحذر الناس من هول المطلع في ذلك اليوم.
ففي يوم القيامة يأمر الله عز وجل إسرافيل عليه السلام فينفخ في الصور ويهلك جميع من على الأرض، وجميع من يشاء الله سبحانه وتعالى.
ثم يأمره الله عز وجل فينفخ في الصور مرة ثانية، فإذا بالناس يقومون للحساب والجزاء عند رب العالمين سبحانه وتعالى، يقول الله سبحانه: (وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ)، أي: تهدد وتخوف من يكفر ويشرك بالله بهذا اليوم الموعود يوم القيامة الذي فيه الحساب الشديد من رب العبيد سبحانه وتعالى، {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:٣٤ - ٣٧].
يوم القيامة يوم تدنو الشمس من الرءوس، ويعرق كل إنسان بحسب ما كان يضيع في الدنيا ويفرط، ولا يبذل الجهد في طاعة الله سبحانه وتعالى، فالعرق الذي لم يبذله في الدنيا سوف يبذله يوم القيامة حين تدنو الشمس من الرءوس.
من كان لاهياً غافلاً في الدنيا، تاركاً لدين الله وراء ظهره يلجمه العرق، أو يغطي رأسه عرق وشمس محرقة، وموقف عظيم بين يدي الله عز وجل؛ حتى إن الإنسان يقول: يا رب! اصرفني ولو إلى النار، يظن أن النار أهون من هذا الموقف الذي يقف فيه، {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج:٤].
فهو ينذر ويخوف العباد من هذا اليوم، يقول: احذروا أنا نذير، أحذركم عذاباً قريباً سيأتيكم، وأحذركم من الموقف بين يدي الله سبحانه وتعالى.
وقوله تعالى: (يَوْمَ الْجَمْعِ) أي: يوم يجمع الله الخلق، ويجمع الرسل، فهذا اليوم لا شك فيه.
وفي قوله تعالى: (لا رَيْبَ فِيهِ)، قراءتان: فيقرؤها الجمهور: (لا رَيْبَ فِيهِ)، ويقرؤها حمزة بالتوسط في المد في قوله: (فيه)، والمقصود من المد هنا كأنه تأكيد للنفي، كما أنك تقول: لا إله إلا الله، فتمدها، ويمدها حتى من يقصر المد المنفصل لتأكيد هذا النفي.
وهنا أيضاً كان المد لتأكيد النفي في معنى الشك في يوم القيامة، فلا شك أبداً، فهو يوم لا بد أن يأتي.
فإذا جاء يوم القيامة وانتهى الحساب توجه البعض إلى الجنة، قال تعالى: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ} [الشورى:٧] والبعض الآخر إلى النار كما قال تعالى: {وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:٧].
وكما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث أن الله عز وجل قال قبل ذلك: (هؤلاء في الجنة ولا أبالي، وهؤلاء في النار ولا أبالي) فالله عز وجل خلق خلقه فجعل فريقاً في الجنة وفريقاً في السعير، ويدخلون السعير بأعمالهم التي يحصيها لهم ويحاسبهم عليها، فإذا أوبقتهم أعمالهم قال لهم: لوموا أنفسكم، أنتم الذين قصرتم في ذلك، كما قال في الحديث القدسي: (يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه) قال تعالى: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء:١٤] فيقال للعبد يوم القيامة: اقرأ أنت عملت كذا، ولا يقال: إنا قدرنا عليك أن تدخل النار، فنحن نحاسبك على القدر.
إنما يقال: أنت فعلت هذا الشيء، اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً وشهيداً، فالإنسان يوم القيامة يشهد على نفسه بما فعله في الدنيا.