في هذه الآيات من هذه السورة الكريمة يبين الله عز وجل مشاهد للكفار وللمؤمنين، فبين حال الكافر في الدنيا كيف كان يصنع، وفي الآخرة كيف جوزي، وكذلك المؤمن ما الذي صنع في الدنيا، وكيف جازاه الله عز وجل يوم القيامة؟ هؤلاء الكفار قال بعضهم لبعض:{لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}[فصلت:٢٦] نظروا إلى القرآن أنه معجز وعظيم فخافوا على أنفسهم أن تضيع منهم الدنيا باتباعهم للنبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا في حماقة وجهل وغباء وبعد عن الله سبحانه، حيث فضلوا الدنيا على الآخرة، ونظروا إلى رئاستهم ومنازلهم في الدنيا ولم ينظروا إلى ربهم سبحانه وتعالى الذي أمرهم أن يعبدوه.
فقوله تعالى عنهم:{لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ}[فصلت:٢٦] أي: تكلموا باللغو وبالكلام الباطل الفارغ، واللغو: كل ما ينبغي أن يلغى ويطرح ويلقى مهملاً، من الأقوال والأفعال، فكأنه نصح بعضهم بعضاً وتواصوا فيما بينهم أنه إذا تكلم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقولوا أي كلام أمامه ويرفعوا أصواتهم بحيث لا يقدر على أن يتكلم ولا يسمعه أحد، فإذا كان المجلس على هذا الحال خرج منه النبي صلى الله عليه وسلم إلى مجلس آخر يدعوهم إلى الله فيقفون له بالمرصاد، باللغط واللغو والكلام الباطل حتى يشوشوا عليه فلا يقدر على إبلاغ رسالة ربه صلوات الله وسلامه عليه، يكيدونه ويكيد الله عز وجل له {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[الأنفال:٣٠]، فحاولوا جهدهم أن يمنعوا النبي صلى الله عليه وسلم من أن يبلغ رسالة الله {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}[الصف:٨].