للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تفسير قوله تعالى: (وهو الذي جعل لكم النهار نشوراً)

قال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا} [الفرقان:٤٧].

والإنسان مخلوق ضعيف فحين تطلع الشمس يذهب فيعمل ليأتي برزقه الذي قدره الله عز وجل له، وبعد أن يعمل يجوع فإذا جاع أكل وشرب، فإذا جاء الليل نام، ولو واصل يوماً ويوماً لما استطاع الخروج واكتساب رزقه ولربما مات من ذلك، فجعل الله لنا الليل لباساً يعني: يغطي الكون كله، والإنسان يحتاج إلى ظلمة الليل في النوم، لأن نوم النهار لا يغني عن نوم الليل، فإذا نام الإنسان في النهار ساعات طويلة فإنه لا يستريح بهذا النوم، فهو يحتاج إلى الليل حتى ينام فيستريح في ظلمة الليل، ولذلك نوم الليل للإنسان أفضل بكثير من نوم النهار، فجعل لكم الليل لباساً، وجعل النوم في الليل أو النهار سباتاً، والسبات: هو الراحة والانقطاع، فالإنسان الذي أصابه أرق في النوم يصبح مريضاً، لكن إذا نام وانقطع عن هذه الدنيا فإنه يستيقظ مستريحاً، والسبات مأخوذ من السبت بمعنى: القطع، وسمي يوم السبت؛ لأن اليهود كانوا ينقطعون فيها للعمل باختيارهم، وعقوبة لهم منعهم الله من العمل في يوم السبت، فجعل النوم سباتاً أي: كأنه انقطاع عن العمل، وانقطاع عن الدنيا، والنوم سماه النبي صلى الله عليه وسلم: الموتة الصغرى، والله عز وجل قال {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر:٤٢]، فيتوفى الله الأنفس حين تموت، بقبض الأرواح، والنوم موتة صغرى يتوفى الله عز وجل فيها نفس الإنسان فيستريح الإنسان في هذا النوم ثم يرد عليه روحه حين يستيقظ، فسمي النوم لذلك بالموتة الصغرى، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ يقول: (الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور).

ولا ينام أهل الجنة في الجنة، فلما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب ذلك قال: (النوم أخو الموت)، فأهل الجنة في نعيم لا ينقطع عنهم النعيم بنوم ولا يحتاجون إلى النوم؛ لأنهم في راحة لا يتعبون ولا ينصبون فلا يحتاجون إلى النوم، فجعل الله في الدنيا للعباد النوم سباتاً رحمة منه سبحانه وتعالى، {وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا} [الفرقان:٤٧]، والنشور بمعنى: الارتفاع، والنشر: هو الشيء المرتفع، والنشرة: رفع الشيء من شيء إلى شيء، وهنا {وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا} [الفرقان:٤٧]، أي: يحيا الإنسان فيه، فبعدما أماته بهذا النوم، وبعدما ذهب في سبات عميق يحيه الله عز وجل فيقوم لعمله يباشره، وهذه من نعم الله التي يدل الإنسان عليها، فكأنه يقول: الذي جعل لكم الليل لباساً، وجعل النوم سباتاً، وجعل النهار نشوراً ألا يستحق أن تحمدوه وتشكروه على هذه النعم وتعبدوه وحده لا إله إلا هو؟ نسأل الله عز وجل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>