[تفسير قوله تعالى: (وما أنتم بمعجزين في الأرض)]
قال تعالى: {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} [الشورى:٣١] قد ذكرنا سعة هذا الكون العظيم الذي خلقه ربنا سبحانه وتعالى.
فإذا قال لنا: ما أنتم بمعجزين في الأرض، فهذا صحيح، أين نذهب من الله سبحانه وتعالى؟! الأرض أرض الله، والسماء سماء الله سبحانه وتعالى.
جاء في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن رجلاً كان ينبش القبور، ويسرق أكفان الموتى، وما عليهم من حلي، فلما حضرته الوفاة قال لأبنائه: أي أبٍ كنت لكم؟ قالوا: خير أب، قال: فإذا أنا مت فأحرقوني، ثم انتظروا يوماً شديدة ريحه فذروا نصفي في البر، ونصفي في البحر؛ فإن يقدر الله عليّ يعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين).
كأنه نسي قدرة الله سبحانه، ولو أن إنساناً ظن أن الله لا يقدر عليه فهذا كافر، ولكن كأن الرجل مع اندهاشه من الموت، وشدة رعبه وخوفه من لقاء الله سبحانه وتعالى تكلم بذلك.
فلما مات فعلوا به ذلك، وإذا بالأمر غاية في البساطة، ومن يعجز الله عز وجل؟ يأمر الله الأرض أن اجمعي ما فيك منه، فتجمع له الأرض ما فيها منه، ويأمر البحر أن اجمع ما فيك منه، فاجتمع الرجل وقام بين يدي الله عز وجل، فقال: يا عبد الله! لم فعلت ذلك؟ قال: من خوفك يا رب! فعفا سبحانه وتعالى، ورحمة الله واسعة وعظيمة.
قال تعالى: ((وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ)) فأين تذهب؟ الأرض أرض الله سبحانه، قال تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} [الزلزلة:١ - ٥].
يأمر الله الأرض أن تتزلزل وتخرج ما فيها من كنوز، فيقول الإنسان: ما الذي يحصل فيها؟ فتقول الأرض: إن الله أمرني بهذا وأوحى إلي به وأذن لي فيه.
فإذا بالأرض تحدث أخبارها وما صنع عليها، تحدث عمن كان يصلي ويعبد الله فوقها، ومن كان يطغى عليها.
يقول تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه} [الزلزلة:٧] ذرة: نملة، أو هباء، فمن يعمل مثقال ذلك في الأرض من خير يره.
قال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} [الزلزلة:٨]، ما عملت من خير تجزى عليه، وما عملت من شر تجزى عليه، والله يعفو ويتكرم ويؤاخذ ويعذب من يشاء سبحانه، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، {وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:٣٠].
{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا} [فاطر:٤١]، السماوات وما فيها، والأرض وما فيها وما فوقها وما تحتها وما بينهما، يمسك كل هذه الأجرام والكواكب والأفلاك والمجرات أن تزول، وهي باقية في مدارها وفي ملفها وجريانها، كما قال تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس:٣٨].
فيقدر الله سبحانه وتعالى هذه الأشياء ولا شيء يهرب من مكانه، والكل يدور كما أمره الله سبحانه، وماذا يكون هذا الإنسان بجوار هذه الأشياء التي لا يقدر الإنسان على عدها، ولا على معرفة كل ما فيها، ولا على أن يحيط بشيء من علم الله عز وجل فيها.
فالله الذي أحصى كل شيء عدداً، وخلق كل شيء، وجعل فيك أشياء أنت لا تعرفها، ففي كل يوم كذا مليون خلية تموت وكذا مليون خلية تخلق في جسدك وأنت لا تشعر.
فالذي يحييها خلية خلية، ويميتها واحدة واحدة هو الله سبحانه وتعالى، أحصى كل شيء صغيراً كان أو كبيراً.
قال تعالى: {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} [الشورى:٣١] الولي هو القريب منك، والمقصود أنه ليس لك ولي يتولى أمرك من دون الله عز وجل، فكلكم تقفون بين يدي الله عز وجل ولا يوجد أحد يجير أحداً من عذاب الله سبحانه وتعالى، وما لكم من دون الله من ولي يتولى أمركم، ولا نصير يدفع ويدافع عنكم أمام الله عز وجل ويناصركم.