[خروج يأجوج ومأجوج وإفسادهم ونهايتهم]
قال: (فبينما هو كذلك) وهذا هو الجزء المقصود من الآية، قال: (إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم) أي: يخرج يأجوج ومأجوج.
إذاً: المسيح الدجال يخرج أولاً، ثم يقتله المسيح صلوات الله وسلامه عليه، ثم بعد ذلك يخرج يأجوج ومأجوج.
قال تعالى: {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ} [الأنبياء:٩٦] يعني: يخرجون سراعاً من كل جبل ومن كل مكان، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية في فلسطين فيشربون ما فيها.
قال صلى الله عليه وسلم: (ويمر آخرهم فيقول: لقد كان بهذه مرة ماء، ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيراً من مائة دينار).
إذاً: المسيح لن يسلط على يأجوج ومأجوج، فإذا بهم يختبئون ويحصرون في مكان إلى أن يكون رأس الثور الذي يشتريه الناس بدراهم قليلة يساوي مائة دينار، أي: يساوي نصف كيلو من الذهب، من قلة الطعام ومن قلة الزاد، قال: (فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه فيدعون ربهم سبحانه وتعالى فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم) فبعدما يفسدون في الأرض ويظنون أنهم قد أهلكوا من على الأرض، ولا يوجد على الأرض إلا المؤمنون الذين اختبئوا مع المسيح عليه الصلاة والسلام، فإذا بيأجوج ومأجوج يقولون: نهلك من في السماء، فيوجهون نشابهم إلى السماء فيفتنهم الله، وينزل إليهم رماحهم مخضبة دماً.
فيقولون: إذاً أهلكنا من في السماء.
فبينما هم على ذلك يدعو المسيح على نبينا وعليه الصلاة والسلام ربه، فإذا بالله عز وجل يهلك هؤلاء بأحقر ما يكون، فيرسل عليهم سبحانه وتعالى النغف، وهي دود تكون في أنوف الإبل والأغنام، يرسلها على هؤلاء في أقفائهم فتأكلهم هذه الدود.
وانظروا إلى الإنسان المتكبر كيف يحقره الله سبحانه وتعالى ويسلط عليه أضعف خلقه، فهذه الديدان الصغيرة التي تكون في أنوف الإبل لا تؤذيها، فتكون في هؤلاء فتؤذيهم وتهلكهم، قال: (فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم).
فإن أعداد هؤلاء القوم تملأ الدنيا، فلا يستطيع أحد أن يدفنهم، فقد ملئوا الأرض نتناً؛ بسبب أبدانهم الميتة، قال: (فيرغب نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام وأصحابه إلى الله، فيرسل الله طيراً كأعناق البخت) فالله عز وجل يخلق ما يشاء، يرسل طيراً مثل أعناق البخت، والبخت: نوعٌ من أنواع الإبل.
قال: (فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله) تنزل الطيور من السماء تأخذهم وترميهم حيث شاء سبحانه.
أما آثارهم على الأرض قال: (ثم يرسل الله مطراً لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة، ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك، وردي بركتك، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة).
العصابة: المجموعة من الناس عشرة فما دونهم، كل عشرة يأكلون رمانة واحدة لبركتها.
(ويستظلون بقحفها) أي: هذه الرمانة يستظل بها عشرة أفراد.
قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الأعراف:٩٦] أي: لو أنهم آمنوا لفتحت عليهم بركات السماء، يعني: المطر، وبركات الأرض، يعني: الثمار.
قال: (ويبارك في الرسل -يعني: اللبن- حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس) يعني: الجماعة من الناس، واللقحة: اللبون، قال: (واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس) والفخذ من الناس: الذين هم جماعة أقل من القبيلة، يعني: غنمة واحدة تكفي مجموعة كبيرة، والبقرة تكفي قبيلة كاملة، والواحدة من الإبل تكفي عدداً ضخماً من الناس بحليبها.
قال صلى الله عليه وسلم: (فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحاً طيبة).
فالله كريم ورحيم سبحانه وتعالى، يريد أن يقبض هؤلاء العباد الذين صبروا بريح طيبة يشمونها، فيموتون، قال: (فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم)، ريح طيبة من عند الله سبحانه وتعالى تأخذهم تحت آباطهم، أو ريح طيبة بمعنى: نسيم عليل طيب تأتي كل إنسان تحت إبطه فيموت.
أما الكفار ما زالوا أحياء، فهم الذين سيبقون عليها، قال: (ويبقى شرار الخلق، يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة).
وفي الحديث الآخر: (لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق) هم هؤلاء الذين لا يقال فيهم: الله الله، ولا يعرفون الله، فإذا ذكر أحد الله يقولون: قد كان يقال ذلك، فهؤلاء يتهارجون، ويهرج بمعنى: يجامع، فالرجل يأتي المرأة ويزني بها في الشارع أمام الناس، ويفعلون ذلك مثل الحمير، هؤلاء شرار الخلق الذين تقوم عليهم الساعة.
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.