للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم)]

قال الله عز وجل: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [محمد:٣٠] لو أردنا لكنا أريناهم لك، وعملنا عليهم علامات حتى تنظر إلى هذا المنافق بعلامته، ولو نشاء لفضحناه، ولكن الله حيي كريم ستير سبحانه تبارك وتعالى، يستر على عباده، ولا يفضح إلا من يستحق ذلك، فستر على الكثيرين، وفضح البعض وجعلهم عبرة للآخرين.

قال: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد:٣٠] سنعرفك بهؤلاء أو قد أشرنا إليك، فأنت الآن تعرف هؤلاء في لحن القول، وفي سقطات اللسان، وفي فحوى ما يقولون، فكانوا يقولون أمام النبي صلى الله عليه وسلم بأشياء، وهو بطيبة قلبه صلوات الله وسلامه عليه، وحسن ظنه في الناس يقبل الكلام على ظاهره، فإذا بالله يحذره ويحذر المؤمنين أن يتشبهوا بالكفار، فلا تقلدوا هؤلاء في أقوالهم، فليس كلما قال الكفار شيئاً تقوموا مؤيدين لمثل هذا الشيء؛ لأنهم قد يقصدون خلاف ما يقولون.

وانظروا هنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقولون له: (اسمع غير مسمع)، فيحملها النبي صلى الله عليه وسلم بقلب طيب، وبحسن ظن أن المعنى اسمع منا، ولن تسمع ما تكره، وهذا هو الظاهر فيه، اسمع هذا الكلام الذي سنقوله لك، ما سنقول لك شيئاً يؤذيك ولا حاجة تضايقك، اسمع غير مسمع منا ما يؤذيك، لكن الحقيقة هم لا يقصدون ذلك، وإنما المراد: اسمع لا سمعت! كأنهم يقولون لإنسان: اذهب أذهب الله سمعك، فهذا هو معنى هذا الكلام الذي يقولونه لعنة الله عليهم، فيقول ربنا للمؤمنين: لا تقلدوا هؤلاء فيما يقولون، يأتي اليهود فيقولون: راعنا، فيأتي المنافقون ويقولون: راعنا، وهم يقصدون بها المعنى، وراعنا: كلمة عند اليهود معناها: أنت شرنا، فيأتي المؤمنون يقلدون هؤلاء فيقولون: يا رسول الله! راعنا، ولا يقصدون ما يقول هؤلاء الكلاب المجرمون، ولكن الله عز وجل يحذرهم فقال تعالى: {لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا} [البقرة:١٠٤]، فأتى بكلمة أخرى مكان هذه فقال: {وَقُولُوا انظُرْنَا} [البقرة:١٠٤] وهو نفس المعنى، ولكن هؤلاء قصدوا شيئاً آخر بهذه الكلمة، فحذر الله المؤمنين، وبين للنبي صلى الله عليه وسلم أنه سيعرفهم في لحن قولهم، وإنما مراد هؤلاء بكلامهم إرادة الأذى بك، ولا يريدون بك الخير، فعرفه الله عز وجل بالمنافقين، فكان لا يصلي على المنافقين صلوات الله وسلامه عليه، وذكرهم لـ حذيفة فكان يلقب بصاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين، فكان حذيفة لا يصلي عليهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، إذا مات واحد من هؤلاء لا يصلي عليهم، وعمر كان لا يعرفهم، فكان ينظر فيمن يموت هل صلى عليه حذيفة؟! فلا يصلي عليه عمر حتى يصلي عليه حذيفة، فقد عرف أسماء البعض من المنافقين من النبي صلوات الله وسلامه عليه.

قال الله عز وجل: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} [محمد:٣٠].

نسأل الله العفو والعافية، في الدين والدنيا والآخرة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>