[تفسير قوله تعالى:(فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له)]
قال تعالى:{فَإِنْ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ}[فصلت:٣٨] أي: عن ذلك، وعن عبادة الله سبحانه، {فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ}[فصلت:٣٨] الإنسان مخلوق ضعيف حقير، خلقه الله عز وجل من تراب ومن نطفة، ثم كرمه الله لا لأصل خلقته، ولا لأنه أصلاً شريف، فهو مخلوق من طين ومن تراب ومن شيء يستقذره الإنسان، ويطأه بقدميه، فقد خلق من نطفة يستقذرها فيغسلها، فهو ليس شريفاً بأصل خلقته، وإنما الله سبحانه تبارك وتعالى هو الذي شرفه وكرمه، فإذا أبى أن يعبد الله حقره الله ورده إلى أسفل سافلين والعياذ بالله بعد أن كرمه وسواه وعدله، فإن استكبر عن عبادة الله {فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ}[فصلت:٣٨] يعني: الملائكة، والخلق الذين عند الله سبحانه، {يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}[فصلت:٣٨].
وعدد ملائكة الله سبحانه تبارك وتعالى لا يحصى، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا فيها ملك قائم أو راكع أو ساجد).
قوله:(أطت السماء) من: أط السقف، بمعنى: أنه كاد يهوي من الثقل الذي عليه، فقد بدأ يهتز ويكاد أن يقع وينشق، (أطت السماء) أي: كادت السماء أن تهوي، وقد قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا}[فاطر:٤١]، فالسموات ثقيلة، وفيها ملائكة لا يحصي عددهم إلا الله سبحانه تبارك وتعالى، فمن ثقل الملائكة تئط السماء مثل السقف الذي يهتز ويكاد أن يهوي، ولكن الله عز وجل يمسكها أن تزول من ثقلها، وقد خلقها الله، {فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}[فصلت:١١]، وكذا الملائكة يعبدون الله سبحانه بالليل وبالنهار ويسبحونه وينزهونه ويقدسونه سبحانه، قال تعالى:{وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ}[فصلت:٣٨] أي: لا يتعبون، ولا يملون من عبادة الله سبحانه تبارك وتعالى، وخلقهم الله وكرمهم، وهم مخلوقون من نور بأصل خلقتهم، فهم مكرمون عند الله سبحانه تبارك وتعالى.
وهذه الآية إشارة إلى أنه ينبغي ويجب على العباد أن يسجدوا لله سبحانه تبارك وتعالى، كما تعبده الملائكة ويسجدون له، وأن يخشعوا لله سبحانه كما أن الملائكة تسجد وتخشع، والسموات والأرض كذلك، ولذلك عقبها بقوله:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً}[فصلت:٣٩]، فخشعت السموات وخشعت الأرض لله سبحانه تبارك وتعالى، وسجد كل شيء كما قال تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}[الحج:١٨].
وهذه الآية إحدى سجدات القرآن، وسجدات القرآن كلها متأكدة الاستحباب، مع الاختلاف الذي في سورة ص بين الشافعي والجمهور، والغرض: أن هذه إحدى السجدات التي في القرآن، والتي يستحب لمن قرأها أن يسجد إذا كان في وقت سجود، وليس في أوقات الكراهة أو التحريم، سواءً كان في الصلاة أو في غير الصلاة والله أعلم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.