[المناسبة بين قوله تعالى (قل الحمد لله) والآيات السابقة]
قال تعالى:{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ}[النمل:٥٩]، وهنا مناسبة عظيمة جميلة بين هذه الآية وبين ما قبلها، فقد ذكر لنا سبحانه وتعالى أربع قصص في هذه السورة، فذكر قصة موسى عليه الصلاة والسلام مع فرعون، وكيف أنجى الله موسى، وكيف أهلك فرعون.
ثم ذكر قصة ثانية، وهي قصة سليمان عليه الصلاة والسلام، وكيف أن الهدهد دله على أن هناك ملكة تعبد الشمس من دون الله سبحانه، وقد ولاها القوم، وقلدوها في عبادة غير الله سبحانه وتعالى.
ومع أن سليمان النبي عليه الصلاة والسلام قد جعله الله ملكاً، فإنه مع ملكه العظيم لم يطلع على شيء، وهو قريب منهم، فقد كان في الشام وهي في اليمن، ومع ذلك لم يعرف شيئاً مع كثرة جنوده من الإنس والجن والطير، ومع ما عنده من تسخير للرياح وغيرها، إلا أنه لم يطلع على ذلك، ولم يعرف أن هؤلاء الأقوام يسجدون للشمس من دون الله.
فلما عرف ذلك بعد أن عرفه الهدهد إذا به يرسل إليهم من يدعوهم إلى توحيد الله سبحانه وتعالى، ويهددهم بما أعطاه الله عز وجل من قوة، فإما أن يأتوا إليه مسلمين، وإما أن يخرجهم من أرضهم أذلة وهم صاغرون، وإذا بالله سبحانه وتعالى ينصر سليمان عليه الصلاة والسلام، وتستجيب الملكة وتؤمن بالله في النهاية؛ فأخرجهم الله سبحانه من ظلمات ظلمهم، ومن ظلمات شركهم إلى عبادة الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له.
ثم ذكر لنا قصة ثمود مع نبيهم صالح عليه الصلاة والسلام، وكيف أنهم عتوا وتكبروا وتجبروا وأفسدوا في الأرض، فدعاهم نبيهم إلى عبادة الله وحده، فأبوا إلا التكذيب والإعراض؛ فأهلكهم الله سبحانه بما شاء من صيحة وريح أرسلها عليهم، فأهلكهم جميعهم وجعلهم خامدين، فكانت آية من آيات قدرة الله سبحانه وتعالى.
ثم ذكر لنا قصة أخيرة وهي قصة لوط عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام مع قومه أهل سدوم الذين أشركوا بالله سبحانه، ووقعوا في الفاحشة، وهي إتيان الذكران من العالمين بدلاً من أن يتزوجوا النساء، فدعاهم نبيهم إلى توحيد الله سبحانه، وإلى ترك ما هم فيه والتوبة إلى الله، فأبوا إلا أن يطردوه ويخرجوه، فأخرجه الله سبحانه تبارك وتعالى من بين أظهرهم، وأهلكهم سبحانه بعذاب من نار جهنم، فأرسل عليهم حجارة من سجيل كالمطر؛ فأخذهم سبحانه وجعلهم آية.
ففي هذه القصص الأربع التي ساقها الله سبحانه يبين لنا كيف أنه ينجي المؤمنين، وكيف ينصرهم سبحانه، وكيف يهلك الظالمين، فلا يسعك وأنت تسمع ذلك إلا أن تقول: الحمد لله.
فقد ذكر الأنبياء والمرسلين وبين أنهم دعوا إلى الله سبحانه، وأنهم أهينوا، وأنهم أوذوا في الله سبحانه وتعالى، فإذا بالله ينصرهم، فلا يسعك إلا أن تقول: الحمد لله رب العالمين! فأمرك الله عز وجل بها: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ}[النمل:٥٩]، فقال هذا لنبيه صلى الله عليه وسلم وهو يقولها ولا شك، فمن باب:(إياك أعني واسمعي يا جارة)؛ ولأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمر لمن تبع النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أمر عباده أن يحمدوا الله إذا قرءوا كتابه العظيم، حيث أنه أرشدهم إلى أن يطلعوا على ذلك، وهداهم إلى هذا الدين العظيم، وجعلهم مسلمين، وجعلهم يتعظون بمصير هؤلاء فلا يقلدونهم، ولا يكونون من الظالمين أمثالهم، وبأنه جعلهم يتأسون بالأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام في صبرهم، وفي حكمتهم، وفي دعوتهم أقوامهم إلى الله سبحانه وتعالى، فيقولون: الحمد لله، ويصلون ويسلمون على أنبياء الله ورسله، بأمر الله سبحانه.