قال ابن الجوزي: من فوائد المشاورة: تطييب القلوب، ونظير هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم:(البكر تستأمر في نفسها)، فالبكر تستأذن فإذا كانت صغيرة فلأبيها عليها ولاية إجبار، فيجبرها أن تتزوج، ولكن مع ذلك يطيب خاطرها بالمشاورة؛ لأنه يستأمرها، ويأخذ رأيها، حتى وإن كان له ولاية إجبار في سن معينة، ولكن لابد أن يستشيرها ويأخذ رأيها حتى يطيب قلبها، وتطيب نفسها.
كذلك من هذا الباب كما يقول الشافعي: مشاورة إبراهيم عليه السلام لابنه حين أمر بذبحه، فقد رأى في المنام أنه يذبح ابنه، ولا بد أن ينفذ ذلك، فرؤيا الأنبياء وحي من الله عز وجل، فكونه يقول لابنه:{يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى}[الصافات:١٠٢]، ليس معنى ذلك أن إسماعيل لو رفض الذبح سيترك إبراهيم أمر الله، وإنما لتطييب القلب والموافقة على أمر الله، والرضا بقضائه وقدره، فقال الابن الكريم لأبيه الكريم:{يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}[الصافات:١٠٢].
ومن فوائد المشاورة: أن المشاور إذا لم ينجح أمره علم أن امتناع النجاح محض قدر، فلم يلم نفسه، ولو أن إنساناً استشار جماعة في المسالة الفلانية، وكل أدلى برأيه، واتفقت الآراء على عمل معين، وبعد ذلك لم يتحقق المطلوب، فسوف يقول: هذا قضاء الله وقدره، بعد أن استخرنا الله واستشرنا الناس.
ومن فوائد الشورى أيضاً: أنه قد يعزم على أمر ويتبين له الصواب في قول غيره، فقد يعزم على شيء، ثم يستشير الناس، فيشيرون عليه بترك ذلك الشيء لما سيترتب عليه من المضار، وقد يعزم على نكاح امرأة، ويستشير الناس في ذلك فيشيرون عليه بأن هذه المرأة لا تصلح لك، وفيها من الصفات ما لا يناسبك، ثم يتبين له الصواب في رأيهم بعد ذلك، وقس على ذلك غيره.
يقول علي رضي الله عنه: الاستشارة عين الهداية، وقد خاطر من استغنى برأيه، والتدبير قبل العمل يؤمنك من الندم.
وهذا كلام حكيم من علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فإذا استشار الإنسان غيره وصل إلى الصواب في الأمر، وقد خاطر من استغنى برأيه، أي: أن الإنسان الذي يحسب نفسه أنه يفهم كل شيء، فيعمل ما يريد بدون أن يستشير الناس؛ فإنه قد يصل في النهاية إلى مأزق خطير لا يقدر على الخلاص منه، فيتمنى لو أنه استشار أولئك الذين احتقر آراءهم.
قال رضي الله عنه: وما استنبط الصواب بمثل المشاورة، بمعنى: ما استدرك أو ما استخرج الصواب، يقال: استنبطت الماء: أي: استخرجته من الأرض، واستنبط الصواب بمعنى: استخرجه من قلوب الناس وعقولهم وتفكيرهم، فعلم الإنسان أن يشاور حتى يصل إلى الصواب.
قال: ولا حصنت النعم بمثل المواساة وهذا كلام رجل حكيم، ومعناه: إذا أردت أن تحافظ على النعم التي أعطاك الله إياها فتصدق منها وأد زكاتها، قال: ولا اكتسبت البغضاء بمثل الكبر، والمعنى: إذا تواضعت للناس أحبك الناس كلهم، وإذا استكبرت عليهم أبغضك الناس كلهم.