لما لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم حيلة مع أهل تلك البلدة شكا إلى ربه سبحانه وقال:(اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس) وذلك لأن هؤلاء لم يستجيبوا له، وفي مكة كذلك استجاب له عدد قليل قد لا يصل إلى مائة، ومع ذلك كانوا مستخفين إلى أن دخل عمر وحمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم في الإسلام، وبدأ المسلمون يظهرون، وإلى هذا الوقت والنبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه ويقول:(أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين! أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، لمن تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أو إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي)، وهذا كلام عظيم منه صلى الله عليه وسلم فلم يعترض على ربه، وأهم شيء لديه هو أن يرضى عنه ولا يغضب عليه، فالله عز وجل حين يوجه إلى العبد مصائب الدنيا فإما أنه يستحق تلك المصائب بسبب الذنوب التي فعلها، وإما أن يكون له درجات عند الله لا يبلغها إلا بذلك.
فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لله عز وجل إني راضٍ بما يحدث لي، ولا أبالي به إذا لم تكن غضباناً علي، ثم قال:(ولكن عافيتك هي أوسع لي) وهذا استدراك منه صلى الله عليه وسلم، والمعنى: أني مع ذلك غير قادر على هذا البلاء، فرحمتك وعافيتك أوسع، فإنها تسع كل خلقك، ثم قال:(أعوذ بنور وجهك من أن ينزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى) أي: إلى أن ترضى، فسوف استمر في الدعوة إليك وأصبر على البلاء حتى ترضى، ثم قال صلى الله عليه وسلم:(ولا حول ولا قوة إلا بك).